منه على حذف مضاف من الأول تقديره: أنزل ذا ذكر رسولا، أو صاحب ذكر رسولا. وقيل إن رسولا نعت على حذف مضاف: أي ذكرا ذا رسول، فذا رسول نعت للذكر. وقيل إن رسولا بمعنى رسالة، فيكون رسولا بدلا صريحا من غير تأويل، أو بيانا. وقيل إن رسولا منتصب على الإغراء، كأنه قال: ألزموا رسولا. وقيل إن الذكر هاهنا بمعنى الشرف كقوله - لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم - وقوله - وإنه لذكر لك ولقومك -. ثم بين هذا الشرف فقال (رسولا) وقد ذهب الأكثر إلى أن المراد بالرسول هنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقال الكلبي: هو جبريل، والمراد بالذكر القرآن، ويختلف المعنى باختلاف وجوه الإعراب السابقة كما لا يخفى.
ثم نعت سبحانه الرسول المذكور بقوله (يتلوا عليكم آيات الله مبينات) أي حال كونها مبينات، قرأ الجمهور " مبينات " على صيغة اسم المفعول: أي بينها الله وأوضحها، وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي على صيغة اسم الفاعل: أي الآيات تبين للناس ما يحتاجون إليه من الأحكام. ورجح القراءة الأولى أبو حاتم وأبو عبيد لقوله " قد بينا لكم الآيات " (ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور) اللام متعلقة بيتلو: أي ليخرج الرسول الذي يتلو الآيات الذين آمنوا وعملوا الصالحات من ظلمات الضلالة إلى نور الهداية، ويجوز أن تتعلق اللام بأنزل، فيكون المخرج هو الله سبحانه (ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا) أي يجمع بين التصديق، والعمل بما فرضه الله عليه مع اجتناب ما نهاه عنه (ندخله جنات تجري من تحتها الأنهار) قرأ الجمهور " يدخله " بالتحتية، وقرأ نافع وابن عامر بالنون: وجمع الضمير في (خالدين فيها أبدا) باعتبار معنى من، ووحده في يدخله باعتبار لفظها، وجملة (قد أحسن الله له رزقا) في محل نصب على الحال من الضمير في خالدين على التداخل، أو من مفعول يدخله على الترادف، ومعنى (قد أحسن الله له رزقا) أي وسع له رزقه في الجنة (الله الذي خلق سبع سماوات) الاسم الشريف مبتدأ وخبره الموصول مع صلته (ومن الأرض مثلهن) أي وخلق من الأرض مثلهن يعنى سبعا.
واختلف في كيفية طبقات الأرض. قال القرطبي في تفسيره: واختلف فيهن على قولين: أحدهما وهو قول الجمهور أنها سبع أرضين طباقا بعضها فوق بعض، بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والأرض، وفي كل أرض سكان من خلق الله. وقال الضحاك: إنها مطبقة بعضها على بعض من غير فتوق بخلاف السماوات.
والأول أصح، لأن الأخبار دالة عليه في الترمذي والنسائي وغيرهما. وقد مضى ذلك مبينا في البقرة قال: وفي صحيح مسلم عن سعيد بن زيد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول " من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين " إلى آخر كلامه، وسيأتي في آخر البحث ما يقوى قول الجمهور. قرأ الجمهور " مثلهن " بالنصب عطفا على " سبع سماوات " أو على تقدير فعل: أي وخلق من الأرض مثلهن. وقرأ عاصم في رواية عنه بالرفع على الابتداء، والجار والمجرور قبله خبره (يتنزل الأمر بينهن) الجملة مستأنفة، ويجوز أن تكون صفة لما قبلها، والأمر الوحي. قال مجاهد: يتنزل الأمر من السماوات السبع إلى السبع الأرضين. وقال الحسن: بين كل سماء وبين الأرض. وقال قتادة: في كل أرض من أرضه وسماء من سمائه خلق من خلقه وأمر من أمره وقضاء من قضائه، وقيل بينهن إشارة إلى ما بين الأرض السفلى التي هي أدناها، وبين السماء السابعة التي هي أعلاها، وقيل هو ما يدبر فيهن من عجيب تدبيره، فينزل المطر ويخرج النبات، ويأتي بالليل والنهار، والصيف والشتاء، ويخلق الحيوانات على اختلاف أنواعها وهيئاتها فينقلهم من حال إلى حال. قال ابن كيسان: وهذا هو مجال اللغة واتساعها كما يقال للموت: أمر الله وللريح والسحاب ونحوها. قرأ الجمهور