في شأن مارية القبطية أم إبراهيم أصابها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيت حفصة في يومها، فوجدت حفصة فقالت: يا رسول الله لقد جئت إلى بشئ ما جئته إلى أحد من أزواجك في يومي وفي دوري على فراشي، قال ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها أبدا؟ قالت: بلى، فحرمها وقال: لا تذكري ذلك لأحد، فذكرته لعائشة فأظهره الله عليه، فأنزل الله (يا أيها النبي لم تحرم) الآيات كلها، فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفر عن يمينه وأصاب مارية. وأخرجه ابن سعد وابن مردويه عنه بأطول من هذا. وأخرجه ابن مردويه أيضا من وجه آخر عنه بأخصر منه، وأخرجه ابن المنذر والطبراني وابن مردويه عنه مختصرا بلفظ قال: حرم سريته وجعل ذلك سبب النزول في جميع ما روى عنه من هذه الطرق، وأخرج الهيثم بن كليب في مسنده والضياء المقدسي في المختارة من طريق نافع عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لحفصة لا تحدثي أحدا، وإن أم إبراهيم على حرام، فقالت: أتحرم ما أحل الله لك؟ قال: فوالله لا أقربها، فلم يقربها حتى أخبرت عائشة، فأنزل الله (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن أبي هريرة أن سبب نزول الآية تحريم مارية كما سلف، وسنده ضعيف. فهذان سببان صحيحان لنزول الآية، والجمع ممكن بوقوع القصتين: قصة العسل، وقصة مارية، وأن القرآن نزل فيهما جميعا، وفي كل واحد منهما أنه أسر الحديث إلى بعض أزواجه. وأما ما قيل من أن السبب هو تحريم المرأة التي وهبت نفسها، فليس في ذلك إلا ما روى ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) في المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. قال السيوطي: وسنده ضعيف. ويرد هذا أيضا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقبل تلك الواهبة لنفسها، فكيف يصح أن يقال إنه نزل في شأنها (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) فإن من رد ما وهب له لم يصح أن يقال إنه حرمه على نفسه، وأيضا لا ينطبق على هذا السبب قوله (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا) إلى آخره ما حكاه الله. وأما ما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن ابن عباس سأل عمر بن الخطاب عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأخبره أنهما عائشة وحفصة، ثم ذكر قصة الإيلاء كما في الحديث الطويل، فليس في هذا نفي لكون السبب هو ما قدمناه من قصة العسل وقصة السرية، لأنه إنما أخبره بالمتظاهرتين، وذكر فيه أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، وأن ذلك سبب الاعتزال لا سبب نزول (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك). ويؤيد هذا ما قدمنا عن ابن عباس أنه قال لعمر من المرأتان اللتان تظاهرتا؟ فأخبره بأنهما حفصة وعائشة، وبين له أن السبب قصة مارية. هذا ما تيسر من تلخيص سبب نزول الآية، ودفع الاختلاف في شأنه فاشدد عليه يديك لتنجو به من الخبط والخلط الذي وقع للمفسرين. وأخرج عبد الرزاق والبخاري وابن مردويه عن ابن عباس قال: في الحرام يكفر، وقال - لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة -. وأخرج ابن المنذر والطبراني والحاكم وابن مردويه عنه أنه جاءه رجل فقال: إني جعلت امرأتي على حراما، فقال كذبت ليست عليك بحرام، ثم تلا (لم تحرم ما أحل الله لك) قال: عليك أغلظ الكفارات عتق رقبة. وأخرج الحارث بن أبي أسامة عن عائشة قالت " لما حلف أبو بكر أن لا ينفق على مسطح، فأنزل الله (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) فأحل يمينه وأنفق عليه ". وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن عائشة في قوله (وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا) قالت: أسر إليها أن أبا بكر خليفتي من بعدي. وأخرج ابن عدي وأبو نعيم في الصحابة والعشاري في فضائل الصديق وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن علي وابن عباس قال: والله إن إمارة أبي بكر وعمر لفي الكتاب (وإذا أسر النبي إلى بعض
(٢٥٢)