إلى المفعول: أي أن ترضى أزواجك، أو إلى الفاعل: أي أن يرضين هن (والله غفور رحيم) أي بليغ المغفرة والرحمة لما فرط منك من تحريم ما أحل الله لك، قيل وكان لك ذنبا من الصغائر، فلذا عاتبه الله عليه، وقيل إنها معاتبة على ترك الأولى (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) أي شرع لكم تحليل أيمانكم وبين لكم ذلك، وتحلة أصلها تحللة، فأدغمت. وهي من مصادر التفعيل كالتوصية والتسمية، فكأن اليمين عقد، والكفارة حل، لأنها تحل للحالف ما حرمه على نفسه. قال مقاتل: المعنى قد بين الله كفارة أيمانكم في سورة المائدة. أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يكفر يمينه ويراجع وليدته فأعتق رقبة. قال الزجاج: وليس لأحد أن يحرم ما أحل الله.
قلت: وهذا هو الحق أن تحريم ما أحل الله لا ينعقد ولا يلزم صاحبه. فالتحليل والتحريم هو إلى الله سبحانه لا إلى غيره، ومعاتبته لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم في هذه السورة أبلغ دليل على ذلك، والبحث طويل والمذاهب فيه كثيرة والمقالات فيه طويلة، وقد حققناه في مؤلفاتنا بما يشفى.
واختلف العلماء هل مجرد التحريم يمين يوجب الكفارة أم لا؟ وفي ذلك خلاف، وليس في الآية ما يدل على أنه يمين، لأن الله سبحانه عاتبه على تحريم ما أحله له، ثم قال (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) وقد ورد في القصة التي ذهب أكثر المفسرين إلى أنها هي سبب نزول الآية أنه حرم أولا ثم حلف ثانيا كما قدمنا (والله مولاكم) أي وليكم وناصركم والمتولي لأموركم (وهو العليم) بما فيه صلاحكم وفلا حكم (الحكيم) في أفعاله وأقواله (وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا) قال أكثر المفسرين: هي حفصة كما سبق، والحديث هو تحريم مارية، أو العسل، أو تحريم التي وهبت نفسها له، والعامل في الظرف فعل مقدر: أي واذكر إذ أسر. وقال الكلبي:
الكلبي: أسر إليها أن أباك وأبا عائشة يكونان خليفتي على أمتي من بعدي (فلما نبأت به) أي أخبرت به غيرها (وأظهره الله عليه) أي أطلع الله نبيه على ذلك الواقع منها من الإخبار لغيرها (عرف بعضه) أي عرف حفصة بعض ما أخبرت به. قرأ الجمهور " عرف " مشددا من التعريف، وقرأ علي وطلحة بن مصرف وأبو عبد الرحمن السلمي والحسن وقتادة والكسائي بالتخفيف. واختار أبو عبيد وأبو حاتم القراءة الأولى لقوله (وأعرض عن بعض) أي لم يعرفها إياه، ولو كان مخففا لقال في ضده: وأنكر بعضا (وأعرض عن بعض) أي وأعرض عن تعريف بعض ذلك كراهة أن ينتشر في الناس، وقيل الذي أعرض عنه هو حديث مارية. وللمفسرين ها هنا خبط وخلط، وكل جماعة منهم ذهبوا إلى تفسير التعريف والإعراض بما يطابق بعض ما ورد في سبب النزول، وسنوضح لك ذلك إن شاء الله (فلما نبأها به) أي أخبرها بما أفشت من الحديث (قالت من أنبأك هذا) أي من أخبرك به (قال نبأني العليم الخبير) أي أخبرني الذي لا تخفى عليه خافية (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) الخطاب لعائشة وحفصة: أي إن تتوبا إلى الله فقد وجد منكما ما يوجب التوبة، ومعنى (صغت) عدلت ومالت عن الحق، وهو أنهما أحبتا ما كره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو إفشاء الحديث. وقيل المعنى: إن تتوبا إلى الله فقد مالت قلوبكما إلى التوبة، وقال قلوبكما ولم يقل قلبا كما لأن العرب تستكره الجمع بين تثنيتين في لفظ واحد (وإن تظاهرا عليه) أي تتظاهرا، قرأ الجمهور " تظاهرا " بحذف إحدى التاءين تخفيفا. وقرأ عكرمة " تتظاهرا " على الأصل. وقرأ الحسن وأبو رجاء ونافع وعاصم في رواية عنهما " تظهرا " بتشديد الظاء والهاء بدون ألف، والمراد بالتظاهر التعاضد والتعاون، والمعنى: وإن تعاضدا وتعاونا في الغيرة عليه منكما وإفشاء سره