وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله (من وجدكم) قال: من سعتكم (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) قال في المسكن. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله (وإن كن أولات حمل) الآية، قال: فهذه في المرأة يطلقها زوجها وهي حامل، فأمره الله أن يسكنها وينفق عليها حتى تضع، وإن أرضعت حتى تفطم، فإن أبان طلاقها وليس بها حمل فلها السكنى حتى تنقضي عدتها ولا نفقة لها. وأخرج عبد بن حميد عن أبي سنان قال: سألت عمر بن الخطاب عن أبي عبيدة، فقيل إنه يلبس الغليظ من الثياب ويأكل أخشن الطعام، فبعث إليه بألف دينار، وقال لرسول: انظر ماذا يصنع بها إذا أخذها؟ فما لبث أن لبس ألين الثياب، وأكل أطيب الطعام، فجاء الرسول فأخبره، فقال: رحمه الله تأول هذه الآية (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله).
سورة التغابن الآية 8 - 12 لما ذكر سبحانه ما تقدم من الأحكام، حذر من مخالفتها، وذكر عتو قوم خالفوا أوامره، فحل بهم عذابه فقال (وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله) يعني عصت، والمراد أهلها، والمعنى: وكم من أهل قرية عصوا أمر الله ورسله، أو أعرضوا عن أمر الله ورسله على تضمين عتت معنى أعرضت، وقد قدمنا الكلام في كأين في سورة آل عمران وغيرها (فحاسبناها حسابا شديدا) أي شددنا على أهلها في الحساب بما عملوا. قال مقاتل: حاسبها الله بعملها في الدنيا فجازاها بالعذاب، وهو معنى قوله (وعذبناها عذابا نكرا) أي عذبنا أهلها عذابا عظيما منكرا في الآخرة، وقيل في الكلام تقديم وتأخير: أي عذبنا أهلها عذابا نكرا في الدنيا بالجوع والقحط والسيف والخسف والمسخ، وحاسبناهم في الآخرة حسابا شديدا. والنكر المنكر (فذاقت وبال أمرها) أي عاقبة كفرها (وكان عاقبة أمرها خسرا) أي هلاكا في الدنيا وعذابا في الآخرة (أعد الله لهم عذابا شديدا) في الآخرة، وهو عذاب النار، والتكرير للتأكيد (فاتقوا الله يا أولى الألباب) أي يا أولى العقول الراجحة، وقوله (الذين آمنوا) في محل نصب بتقدير: أعني بيانا للمنادي بقوله (يا أولى الألباب) أو عطف بيان له، أو نعت (قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا) قال الزجاج: إنزال الذكر دليل على إضمار أرسل: أي أنزل إليكم قرآنا وأرسل إليكم رسولا، وقال أبو علي الفارسي: إن رسولا منصوب بالمصدر، وهو ذكرا، لأن المصدر المنون يعمل. والمعنى:
أنزل إليكم ذكر الرسول. وقيل إن رسولا بدل من ذكرا، وكأنه جعل الرسول نفس الذكر مبالغة. وقيل إنه يدل