المشرقين ورب المغربين) قرأ الجمهور " رب " بالرفع على إنه خبر مبتدإ محذوف: أي هو رب المشرقين والمغربين، وقيل مبتدأ وخبره - مرج البحرين - وما بينهما اعتراض، والأول أولى، والمراد بالمشرقين مشرقا الشتاء والصيف، وبالمغربين مغرباهما (فبأي آلاء ربكما تكذبان) فإن في ذلك من النعم ما لا يحصى ولا يتيسر لمن أنصف من نفسه تكذيب فرد من أفراده (مرج البحرين يلتقيان) المرج التخلية والإرسال، يقال: مرجت الدابة: إذا أرسلتها، وأصله الإهمال كما تمرج الدابة في المرعى، والمعنى: أنه أرسل كل واحد منهما، يلتقيان: أي يتجاوران لافصل بينهما في مرأى العين، ومع ذلك فلم يختلطا، ولهذا قال (بينهما برزخ) أي حاجز يحجز بينهما (لا يبغيان) أي لا يبغي أحدهما على الآخر بأن يدخل فيه ويختلط به. قال الحسن وقتادة: هما بحر فارس والروم. وقال ابن جريج: هما البحر المالح والأنهار العذبة، وقيل بحر المشرق والمغرب، وقيل بحر اللؤلؤ والمرجان، وقيل بحر السماء وبحر الأرض. قال سعيد بن جبير: يلتقيان في كل عام، وقيل يلتقي طرفاهما. وقوله (يلتقيان) في محل نصب على الحال من البحرين، وجملة (بينهما برزخ) يجوز أن تكون مستأنفة، وأن تكون حالا (فبأي آلاء ربكما تكذبان) فإن هذه الآية وأمثالها لا يتيسر تكذيبها بحال (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان). قرأ الجمهور " يخرج " بفتح الياء وضم الراء مبنيا للفاعل، وقرأ نافع وأبو عمرو بضم الياء وفتح الراء ومبنيا للمفعول، واللؤلؤ: الدر، والمرجان: الخرز الأحمر المعروف. وقال الفراء: اللؤلؤ العظام، والمرجان ما صغر. قال الواحدي: وهو قول جميع أهل اللغة. وقال مقاتل والسدي ومجاهد: اللؤلؤ صغاره، والمرجان كباره، وقال (يخرج منهما) وإنما يخرج ذلك من المالح لا من العذب لأنه إذا خرج من أحدهما فقد حرج منهما، كذا قال الزجاج وغيره. وقال أبو علي الفارسي: هو من باب حذف المضاف: أي من أحدهما كقوله - على رجل من القريتين عظيم -. وقال الأخفش: زعم قوم أنه يخرج اللؤلؤ من العذب، وقيل هما بحران يخرج من أحدهما اللؤلؤ، ومن الآخر المرجان، وقيل هما بحر السماء وبحر الأرض، فإذا وقع ماء السماء في صدف البحر انعقد لؤلؤا فصار خارجا منهما (فبأي آلاء ربكما تكذبان) فإن في ذلك من الآيات مالا يستطيع أحد تكذيبه ولا يقدر على إنكاره (وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام) المراد بالجوار: السفن الجارية في البحر، والمنشآت: المرفوعات التي رفع بعض خشبها على بعض وركب حتى ارتفعت وطالت حتى صارت في البحر كالأعلام وهي الجبال، والعلم: الجبل الطويل.
وقال قتادة: المنشآت المخلوقات للجري. وقال الأخفش: المنشآت المجريات، وقد مضى بيان الكلام في هذا في سورة الشورى. قرأ الجمهور " الجوار " بكسر الراء وحذف الياء لالتقاء الساكنين، وقرأ ابن مسعود والحسن وأبو عمرو في رواية عنه برفع الراء تناسيا للحذف، وقرأ يعقوب بإثبات الياء، وقرأ الجمهور " المنشآت " بفتح الشين، وقرأ حمزة وأبو بكر في رواية عنه بكسر الشين (فبأي آلاء ربكما تكذبان) فإن ذلك من الوضوح والظهور بحيث لا يمكن تكذيبه ولا إنكاره.
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله (الشمس والقمر بحسبان) قال: بحساب ومنازل يرسلان. وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عنه (والأرض وضعها للأنام) قال: للناس. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال: للخلق. وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال: كل شئ فيه روح. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا (والنخل ذات الأكمام) قال: أوعية الطلع. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله (والحب ذو العصف) قال: التبن (والريحان) قال خضرة الزرع. وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال: (العصف) ورق الزرع إذا يبس (والريحان)