حذر أمورا لا تضير وآمن * ما ليس ينجيه من الأقدار ومنع من النصب على المفعولية المبرد. ومعنى (عليهم) أي على المؤمنين في شأن المنافقين، على أن الضمير للمؤمنين، والأولى أن يكون الضمير للمنافقين: أي في شأنهم (تنبئهم) أي المنافقين (بما في قلوبهم) مما يسرونه فضلا عما يظهرونه، وهم وإن كانوا عالمين بما في قلوبهم فالمراد من إنباء السورة لهم إطلاعهم على أن المؤمنين قد علموا بما في قلوبهم، ثم أمر الله رسوله بأن يجيب عليهم، فقال (قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون) هو أمر تهديد: أي افعلوا الاستهزاء إن الله مخرج ما تحذرون من ظهوره حتى يطلع عليه المؤمنون، إما بإنزال سورة، أو بإخبار رسوله بذلك أو نحو ذلك. قوله (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) أي ولئن سألتهم عما قالوه من الطعن في الدين وثلب المؤمنين بعد أن يبلغ إليك ذلك ويطلعك الله عليه ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب، ولم نكن في شئ من أمرك ولا أمر المؤمنين. ثم أمره الله أن يجيب عنهم فقال (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون) والاستفهام للتقريع والتوبيخ، وأثبت وقوع ذلك منهم ولم يعبأ بإنكارهم، لأنهم كانوا كاذبين في الإنكار، بل جعلهم كالمعترفين بوقوع ذلك منهم حيث جعل المستهزأ به، والباء لحرف النفي، فإن ذلك إنما يكون بعد وقوع الاستهزاء وثبوته، ثم قال (لا تعتذروا) نهيا لهم عن الاشتغال بالاعتذارات الباطنة، فإن ذلك غير مقبول منهم. وقد نقل الواحدي عن أئمة اللغة أن معنى الاعتذار محو أثر الذنب وقطعه، من قولهم اعتذر المنزل إذا درس، واعتذرت المياه إذا انقطعت (فقد كفرتم) أي أظهرتم الكفر بما وقع منكم من الاستهزاء المذكور (بعد إيمانكم) أي بعد إظهاركم (الإيمان مع كونكم تبطنون الكفر (إن نعف عن طائفة منكم) وهم من أخلص الإيمان وترك النفاق وتاب عنه. قال الزجاج: الطائفة في اللغة الجماعة. قال ابن الأنباري: ويطلق لفظ الجمع على الواحد عند العرب (بعذب طائفة ب) سبب (أنهم كانوا مجرمين) مصرين على النفاق لم يتوبوا منه، قرئ نعذب بالنون وبالتاء الفوقية على البناء للمفعول وبالتحتية على البناء للفاعل، وهو الله سبحانه.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان نبتل بن الحارث يأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيجلس إليه فيسمع منه، ثم ينقل حديثه إلى المنافقين، وهو الذي قال لهم: إنما محمد أذن، من حدثه بشئ صدقه، فأنزل الله فيه (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: اجتمع ناس من المنافقين فيهم خلاس بن سويد بن صامت ومخشى بن حمير ووديعة بن ثابت، فأرادوا أن يقعوا في النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنهى بعضهم بعضا وقالوا: إنا نخاف أن يبلغ محمدا فيقع بكم، فقال بعضهم: إنما محمد أذن نحلف له فيصدقنا، فنزل (ومنهم الذين يؤذون النبي) الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله (هو أذن) يعني أنه يسمع من كل أحد. قال الله تعالى (أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) يعني يصدق بالله ويصدق المؤمنين. وأخرج الطبراني وابن عساكر وابن مردويه عن عمير بن سعد قال: في أنزلت هذه الآية (ويقولون هو أذن) وذلك أن عمير بن سعد كان يسمع أحاديث أهل المدينة، فيأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيساره حتى كانوا يتأذون بعمير بن سعد وكرهوا مجالسته، وقال (هو أذن) فأنزلت فيه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلا من المنافقين قال: والله إن هؤلاء لخيارنا وأشرافنا، ولئن كان ما يقول محمد حقا لهم شر من الحمير، فسمعها رجل من المسلمين فقال: والله إن ما يقول محمد لحق ولأنت شر من الحمار، فسعى بها الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه