والأولى حمل الفضل والرحمة على العموم، ويدخل في ذلك ما في القرآن منهما دخولا أوليا، وأصل الكلام: قل بفضل الله وبرحمته فليفرحوا، ثم حذف هذا الفعل لدلالة الثاني في قوله (فبذلك فليفرحوا) عليه، قيل والفاء في هذا الفعل المحذوف داخله في جواب شرط مقدر كأنه قيل: إن فرحوا بشئ فليخصوا فضل الله ورحمته بالفرح.
وتكرير الباء في برحمته للدلالة على أن كل واحد من الفضل والرحمة سبب مستقل في الفرح، والفرح: هو اللذة في القلب بسبب إدراك المطلوب، وقد ذم الله سبحانه الفرح في مواطن كقوله - لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين - وجوزه في قوله - فرحين بما آتاهم الله من فضله - وكما في هذه الآية، ويجوز أن تتعلق الباء في " بفضل الله وبرحمته " بقوله (جاءتكم)، والتقدير: جاءتكم موعظة بفضل الله وبرحمته فبذلك: أي فبمجيئها فليفرحوا، وقرأ يزيد بن القعقاع ويعقوب " فلتفرحوا " بالفوقية، وقرأ الجمهور بالتحتية، والضمير في " هو خير " راجع إلى المذكور من الفضل والرحمة، أو إلى المجئ على الوجه الثاني، أو إلى اسم الإشارة في قوله (فبذلك) والمعنى: أن هذا خير لهم مما يجمعونه من خطام الدنيا. وقد قرئ بالتاء الفوقية في (يجمعون) مطابقة للقراءة بها في (فلتفرحوا). وقد تقرر في العربية أن لام الأمر تحذف مع الخطاب إلا في لغة قليلة جاءت هذه القراءة عليها، وقرأ الجمهور بالمثناة التحتية في يجمعون كما قرأوا في فليفرحوا. وروى عن ابن عامر أنه قرأ بالفوقية في يجمعون، والتحتية في فلتفرحوا.
وقد أخرج الطبراني وأبو الشيخ عن أبي الأحوص قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال: إن أخي يشتكي بطنه، فوصف له الخمر، فقال: سبحان الله! ما جعل الله في رجس شفاء، إنما الشفاء في شئ من القرآن والعسل، فهما شفاء لما في الصدور وشفاء للناس. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال " إن الله جعل القرآن شفاء لما في الصدور، ولم يجعله شفاء لأمراضكم ". وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني أشتكي صدري، فقال: اقرأ القرآن، يقول الله: شفاء لما في الصدور ". وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن واثلة بن الأسقع أن رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجع حلقه قال: " عليك بقراءة القرآن والعسل، فالقرآن شفاء لما في الصدور، والعسل شفاء من كل داء ". وأخرج أبو داود والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالتاء يعني الفوقية، وقد روى نحو هذا من غير هذه الطريق. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (قل بفضل الله وبرحمته) قال: بفضل الله القرآن، وبرحمته أن جعلكم من أهله. وأخرج الطبراني في الأوسط عن البراء مثله من قوله. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد الخدري مثله. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس في الآية قال: بكتاب الله وبالإسلام. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عنه قال: فضله الإسلام، ورحمته القرآن. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عنه أيضا قال: بفضل الله القرآن، وبرحمته حين جعلهم من أهله. وقد روى عن جماعة من التابعين نحو هذه الروايات المتقدمة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس هو خير مما يجمعون من الأموال والحرث والأنعام.
سورة يونس الآية (59)