والأول أولى، والإشارة (بذلكم) إلى صانع ذلك الصنع العجيب المذكور سابقا و (الله) خبره. والمعنى: أن صانع هذا الصنع العجيب هو المستجمع لكل كمال، والمفضل بكل إفضال، والمستحق لكل حمد وإجلال (فأنى تؤفكون) فكيف تصرفون عن الحق مع ما ترون من بديع صنعه وكمال قدرته. قوله (فالق الإصباح) مرتفع على أنه من جملة أخبار " إن " في (إن الله فالق الحب والنوى)، وقيل هو نعت للاسم الشريف في (ذلكم الله)، وقرأ الحسن وعيسى بن عمر (فالق الأصباح) بفتح الهمزة، وقرأ الجمهور بكسرها، وهو على قراءة الفتح جمع صبح، وعلى قراءة الكسر مصدر أصبح، والصبح والصباح: أول النهار، وكذا الإصباح، وقرأ النخعي (فلق الإصباح) بفعل وهمزة مكسورة. والمعنى في (فالق الإصباح) أنه شاق الضياء عن الظلام وكاشفه، أو يكون المعنى على حذف مضاف: أي فالق ظلمة الإصباح، وهي الغبش، أو فالق عمود الفجر عن بياض النهار، لأنه يبدو مختلطا بالظلمة ثم يصير أبيض خالصا. وقرأ الحسن وعيسى بن عمر وعاصم وحمزة والكسائي (وجعل الليل سكنا) حملا على معنى (فالق) عند حمزة والكسائي، وأما عند الحسن وعيسى فعطفا على فلق. وقرأ الجمهور وجاعل عطفا على فالق. وقرئ فالق وجاعل بنصبهما على المدح. وقرأ يعقوب " وجاعل الليل ساكنا ". والسكن: محل السكون، من سكن إليه: إذا اطمأن إليه، لأنه يسكن فيه الناس عن الحركة في معاشهم ويستريحون من التعب والنصب. قوله (والشمس والقمر حسبانا) بالنصب على إضمار فعل: أي وجعل الشمس والقمر، وبالرفع على الابتداء، والخبر محذوف تقديره والشمس والقمر مجعولان حسبانا، وبالجر عطفا على الليل على قراءة من قرأ وجاعل الليل. قال الأخفش: والحسبان جمع حساب مثل شهبان وشهاب. وقال يعقوب: حسبان مصدر حسبت الشئ أحسبه حسبا وحسبانا. والحساب: الاسم، وقيل الحسبان بالضم مصدر حسب بالفتح، والحسبان بالكسر مصدر حسب، والمعنى: جعلهما محل حساب تتعلق به مصالح العباد وسيرهما على تقدير لا يزيد ولا ينقص ليدل عباده بذلك على عظيم قدرته وبديع صنعه، وقيل الحسبان: الضياء، وفى لغة أن الحسبان: النار، ومنه قوله تعالى - ويرسل عليها حسبانا من السماء - والإشارة ب (ذلك تقدير العزيز العليم) إلى الجعل المدلول عليه بجاعل أو بجعل على القراءتين.
والعزيز: القاهر الغالب. والعليم: كثير العلم، ومن جملة معلوماته تسييرهما على هذا التدبير المحكم. قوله (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها) أي خلقها للاهتداء بها (في ظلمات) الليل عند المسير في (البر والبحر) وإضافة الظلمات إلى البر والبحر لكونها ملابسة لهما، أو المراد بالظلمات: اشتباه طرقهما التي لا يهتدى فيها إلا بالنجوم، وهذه إحدى منافع النجوم التي خلقها الله لها، ومنها ما ذكره الله في قوله - وحفظا من كل شيطان مارد -.
- وجعلناها رجوما للشياطين -، ومنها جعلها زينة للسماء، ومن زعم غير هذه الفوائد فقد أعظم على الله الفرية (قد فصلنا الآيات) التي بيناها بيانا مفصلا لتكون أبلغ في الاعتبار (لقوم يعلمون) بما في هذه الآيات من الدلالة على قدرة الله وعظمته وبديع حكمته. قوله (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة) أي آدم عليه السلام كما تقدم، وهذا نوع آخر من بديع خلقه الدال على كمال قدرته (فمستقر ومستودع) قرأ ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وأبو عمرو وعيسى والأعرج والنخعي بكسر القاف والباقون بفتحها، وهما مرفوعان على أنهما مبتدآن وخبرهما محذوف، والتقدير: فمنكم مستقر أو فلكم مستقر، التقدير الأول على القراءة الأولى، والثاني على الثانية: أي فمنكم مستقر على ظهر الأرض، أو فلكم مستقر على ظهرها، ومنكم مستودع في الرحم أوفي باطن الأرض أو في الصلب، وقيل المستقر في الرحم، والمستودع في الأرض، وقيل المستقر في القبر. قال القرطبي: وأكثر أهل