كيف ندعوا من دون الله أصناما لا تنفعنا بوجه من وجوه النفع إن أردنا منها نفعا ولا نخشى ضرها بوجه من الوجوه، ومن كان هكذا فلا يستحق العبادة (ونرد على أعقابنا) عطف على " ندعوا ". و لأعقاب، جمع عقب:
أي كيف ندعوا من كان كذلك ونرجع إلى الضلالة التي أخرجنا الله منها. قال أبو عبيدة: يقال لمن رد عن حاجته ولم يظفر بها قد رد على عقبيه. وقال المبرد: * تعقب بالشر بعد الخير * وأصله من المعاقبة والعقبى، وهما ما كان تاليا للشيء واجبا له أن يتبعه، ومنه - والعاقبة للمتقين -، ومنه عقب الرجل، ومنه العقوبة، لأنها تالية للذنب. قوله (كالذي استهوته الشياطين في الأرض) هوى يهوى إلى الشئ أسرع إليه. وقال الزجاج:
هو من هوى النفس، أي زين له الشيطان هواه، و (استهوته الشياطين) هوت به، والكاف في (كالذي) إما نعت مصدر محذوف: أي نرد على أعقابنا ردا كالذي، أو في محل نصب على الحال من فاعل نرد: أي نرد حال كوننا مشبهين للذي استهوته الشياطين: أي ذهبت به مردة الجن بعد أن كان بين الإنس. قرأ الجمهور " أسهوته " وقرأ حمزة " استهواه " على تذكير الجمع. وقرأ ابن مسعود والحسن (استهواه الشيطان) وهو كذلك في قراءة أبي، و (حيران) حال: أي حال كونه متحيرا تائها لا يدري كيف يصنع؟ والحيران هو الذي لا يهتدى لجهة، وقد حار يحار حيرة وحيرورة: إذا تردد، وبه سمى الماء المستنقع الذي لا منفذ له حائرا. قوله (له أصحاب يدعونه إلى الهدى) صفة لحيران أو حالية: أي له رفقة يدعونه إلى الهدى يقولون له ائتنا فلا يجيبهم ولا يهتدى بهديهم. قوله (قل إن هدى الله هو الهدى) أمره الله سبحانه بأن يقول لهم (إن هدى الله) أي دينه الذي ارتضاه لعباده (هو الهدى) وما عداه باطل - ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه - (وأمرنا) معطوف على الجملة الاسمية: أي من جملة ما أمره الله بأن يقوله، واللام في (لنسلم) هي لام العلة، والمعلل هو الأمر: أي أمرنا لأجل نسلم لرب العالمين. وقال الفراء: المعنى أمرنا بأن نسلم لأن العرب تقول أمرتك لتذهب، وبأن تذهب بمعنى. وقال النحاس: سمعت ابن كيسان يقول هي لام الخفض. قوله (وأن أقيموا الصلاة واتقوه) معطوف على " لنسلم " على معنى وأمرنا أن نسلم وأن أقيموا، ويجوز أن يكون عطفا على يدعونه على المعنى: أي يدعونه إلى الهدى ويدعونه أن أقيموا (وهو الذي إليه تحشرون) فكيف تخالفون أمره (وهو الذي خلق السماوات والأرض) خلقا (بالحق) أو حال كون الخلق بالحق فكيف تعبدون الأصنام المخلوقة. قوله (ويوم يقول كن فيكون قوله الحق) أي واذكر يوم يقول كن فيكون أو واتقوا يوم يقول كن فيكون، وقيل هو عطف على الهاء في (واتقوه) وقيل إن " يوم " ظرف لمضمون جملة (قوله الحق) والمعنى وأمره المتعلق بالأشياء الحق: أي المشهود له بأنه حق، وقيل قوله مبتدأ، والحق صفة له (ويوم يقول كن فيكون) خبره مقدما عليه، والمعنى: قوله المتصف بالحق كائن يوم يقول كن فيكون، وقيل إن قوله مرتفع بيكون، والحق صفته: أي يوم يقول كن فيكون قوله الحق. وقرأ ابن عامر (فنكون) بالنون، وهو إشارة إلى سرعة الحساب. وقرأ الباقون بالياء التحتية وهو الصواب. قوله (وله الملك يوم ينفخ في الصور) الظرف منصوب بما قبله: أي له الملك في هذا اليوم، وقيل هو بدل من اليوم الأول، والصور قرن ينفخ فيه النفخة الأولى للفناء، والثانية للإنشاء. وكذا قال الجوهري: إن الصور القرن، قال الراجز:
لقد نطحناهم غداة الجمعين * نطحا شديدا لا كنطح الصورين والصور بضم الصاد وبكسرها لغة. وحكى عن عمرو بن عبيد أنه قرأ (يوم ينفخ في الصور) بتحريك الواو، جمع صورة، والمراد: الخلق. قال أبو عبيدة: وهذا وإن كان محتملا يرد بما في الكتاب والسنة. وقال الفراء: