سورة الأنعام الآية (59) قوله (قل إني نهيت) أمره الله سبحانه أن يعود إلى مخاطبة الكفار ويخبرهم بأنه نهى عن عبادة ما يدعونه ويعبدونه من دون الله: أي نهاه الله عن ذلك وصرفه وزجره، ثم أمره سبحانه بأن يقول لهم (لا أتبع أهواءكم) أي لا أسلك المسلك الذي سلكتموه في دينكم من اتباع الأهواء والمشي على ما توجبه المقاصد الفاسدة التي يتسبب عنها الوقوع في الضلال. قوله (قد ضللت إدا) أي اتبعت أهواءكم فيما طلبتموه من عبادة معبوداتكم وطرد من أردتم طرده (وما أنا من المهتدين) إن فعلت ذلك، وهذه الجملة الاسمية معطوفة على الجملة التي قبلها، والمجئ بها اسمية عقب تلك الفعلية للدلالة على الدوام والثبات، وقرئ (ضللت) بفتح اللام وكسرها وهما لغتان. قال أبو عمرو:
ضللت بكسر اللام لغة تميم، وهي قراءة ابن وثاب وطلحة بن مصرف. والأولى هي الأصح والأفصح، لأنها لغة أهل الحجاز، وهي قراءة الجمهور. قال الجوهري: والضلال والضلالة ضد الرشاد. وقد ضللت أضل.
قال الله - قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي - قال فهذه: يعني المفتوحة لغة نجد وهي الفصيحة. وأهل العالية يقول: ضللت بالكسر أضل انتهى. قوله (قل إني على بينة من ربي) البينة: الحجة والبرهان: أي إني على برهان من ربي ويقين، لا على هوى وشك، أمره الله سبحانه بأن يبين لهم أن ما هو عليه من عبادة ربه هو عن حجة برهانية يقينية، لا كما هم عليه من اتباع الشبه الداحضة والشكوك الفاسدة التي لا مستند لها إلا مجرد الأهوية الباطلة. قوله (وكذبتم به) أي بالرب أو بالعذاب أو بالقرآن أو بالبينة، والتذكير للضمير باعتبار المعنى. وهذه الجملة إما حالية بتقدير قد: أي والحال أن قد كذبتم به، أو جملة مستأنفة مبينة لما هم عليه من التكذيب بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحجج الواضحة والبراهين البينة. قوله (ما عندي ما تستعجلون به) أخبرهم بأنه لم يكن عنده ما يتعجلونه من العذاب، فإنهم كانوا لفرط تكذيبهم يستعجلون نزوله استهزاء، نحو قوله - أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا -، وقولهم - اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء -، وقولهم - متى هذا الوعد إن كنتم صادقين -، وقيل (ما عندي ما تستعجلون به) من الآيات التي تقترحونها علي. قوله (إن الحكم إلا لله): أي ما الحكم في كل شئ إلا لله سبحانه، ومن جملة ذلك ما تستعجلون به من العذاب أو الآيات المقترحة. والمراد: الحكم الفاصل بين الحق والباطل. قوله (يقص الحق) قرأ نافع وابن كثير وعاصم (يقص) بالقاف والصاد المهملة، وقرأ الباقون (يقضى) بالضاد المعجمة والياء، وكذا قرأ علي وأبو عبد الرحمن السلمي وسعيد بن المسيب، وهو مكتوب في المصحف بغير ياء. فعلى القراءة الأولى هو من القصص: أي يقص القصص الحق، أو من قص أثره: أي يتبع الحق فيما يحكم به. وعلى القراءة الثانية هو من القضاء: أي يقضى القضاء بين عباده، والحق منتصب على المفعولية، أو على أنه صفة لمصدر محذوف: أي يقضى القضاء الحق، أو يقص القصص الحق (وهو خير الفاصلين) أي بين الحق والباطل بما يقتضى به بين عباده ويفصله لهم في كتابه، ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم (لو أن عندي ما تستعجلون به) أي ما تطلبون تعجيله بأن يكون إنزاله بكم مقدورا لي وفى وسعي (لقضي الأمر بيني وبينكم) أي لقضى الله الأمر بيننا بأن ينزله الله سبحانه بكم بسؤالي له وطلبي ذلك، أو المعنى: لو كان العذاب الذي تطلبونه وتستعجلون به عندي وفى قبضتي لأنزلته بكم، وعند ذلك يقضى الأمر بيني وبينكم (والله أعلم بالظالمين) وبالوقت الذي ينزل فيه عذابهم وبما تقتضيه