(قل هل يستوى الأعمى والبصير) هذا الاستفهام للإنكار. والمراد أنه لا يستوي الضال والمهتدي، أو المسلم والكافر أو من اتبع ما أوحي إليه ومن لم يتبعه، والكلام تمثيل (أفلا تتفكرون) في ذلك حتى تعرفوا عدم الاستواء بينهما، فإنه بين لا يلتبس على من له أدنى عقل وأقل تفكر. قوله (وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم) الإنذار، الإعلام، والضمير في به راجع إلى ما يوحى، وقيل إلى الله، وقيل إلى اليوم الآخر. وخص الذين يخافون أن يحشروا، لأن الإنذار يؤثر فيهم لما حل بهم من الخوف، بخلاف من لا يخاف الحشر من طوائف الكفر لجحوده به وإنكاره له. فإنه لا يؤثر فيه ذلك. قيل ومعنى يخافون: يعلمون ويتيقنون أنهم محشورون، فيشمل كل من آمن بالبعث من المسلمين وأهل الذمة وبعض المشركين، وقيل معنى الخوف على حقيقته، والمعنى: أنه ينذر به من يظهر عليه الخوف من الحشر عند أن يسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يذكره وإن لم يكن مصدقا به في الأصل، لكنه يخاف أن يصح ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن من كان كذلك تكون الموعظة فيه أنجع والتذكير له أنفع. قوله (ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع) الجملة في محل نصب على الحال: أي أنذر به هؤلاء الذين يخافون الحشر حال كونهم لا ولي لهم يواليهم ولا نصير يناصرهم ولا شفيع يشفع لهم من دون الله، وفيه رد على من زعم من الكفار المعترفين بالحشر أن آباءهم يشفعون لهم، وهم أهل الكتاب، أو أن أصنامهم تشفع لهم. وهم المشركون. قوله (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) الدعاء العبادة مطلقا، وقيل المحافظة على صلاة الجماعة، وقيل الذكر وقراءة القرآن، وقيل المراد الدعاء لله بجلب النفع ودفع الضرر. قيل: والمراد بذكر الغداة والعشي الدوام على ذلك والاستمرار، وقيل هو على ظاهره، و (يريدون وجهه) في محل نصب على الحال. والمعنى: أنهم مخلصون في عبادتهم لا يريدون بذلك إلا وجه الله تعالى: أي يتوجهون بذلك إليه لا إلى غيره. قوله (ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ) هذا كلام معترض بين النهي وجوابه متضمن لنفي الحامل على الطرد: أي حساب هؤلاء الذين أردت أن تطردهم موافقة لمن طلب ذلك منك هو على أنفسهم ما عليك منه شئ، وحسابك على نفسك ما عليهم منه شئ فعلام تطردهم؟ هذا على فرض صحة وصف من وصفهم بقوله - ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا - وطعن عندك في دينهم وحسبهم، فكيف وقد زكاهم الله عز وجل بالعبادة والإخلاص، وهذا هو مثل قوله تعالى - ولا تزر وازرة وزر أخرى - وقوله - وأن ليس للإنسان إلا ما سعى - وقوله - إن حسابهم إلا على ربي -. قوله (فتطردهم) جواب النفي في قوله (ما عليك من حسابهم من شئ) وهو من تمام الاعتراض: أي إذا كان الأمر كذلك فأقبل عليهم وجالسهم ولا تطردهم مراعاة لحق من ليس على مثل حالهم في الدين والفضل، ومن في " ما عليك من حسابهم من شئ " للتبعيض، والثانية للتوكيد. وكذا في " ما من حسابك عليهم من شئ ". قوله (فتكون من الظالمين) جواب للنهي أعني (ولا تطرد الذين يدعون ربهم) أي فإن فعلت ذلك كنت من الظالمين، وحاشاه عن وقوع ذلك. وإنما هو من باب التعريض لئلا يفعل ذلك غيره صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الإسلام كقوله تعالى - لئن أشركت ليحبطن عملك -. وقيل إن " فتكون من الظالمين " معطوف على " فتطردهم " على طريق التسبب، والأول أولى. قوله (وكذلك فتنا بعضهم ببعض) أي مثل ذلك الفتن العظيم فتنا بعض الناس ببعض. والفتنة الإختبار: أي عاملناهم معاملة المختبرين. واللام في (ليقولوا) للعاقبة: أي ليقول البعض الأول مشيرين إلى البعض الثاني (أهؤلاء) الذين (من الله عليهم من بيننا) أي أكرمهم بإصابة الحق دوننا. قال النحاس: وهذا من المشكل، لأنه يقال كيف فتنوا ليقولوا هذا القول وهو إن كان على طريقة الإنكار كفر " وأجاب بجوابين:
(١١٩)