الأول أن ذلك واقع منهم على طريقة الاستفهام لا على سبيل الإنكار، والثاني أنهم لما اختبروا بهذا كان عاقبته هذا القول منهم كقوله - فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا -. قوله (أليس الله بأعلم بالشاكرين) هذا الاستفهام للتقرير. والمعنى: أن مرجع الاستحقاق لنعم الله سبحانه هو الشكر، وهو أعلم بالشاكرين له، فما بالكم تعترضون بالجهل وتنكرون الفضل. قوله (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا) هم الذين نهاه الله عن طردهم وهم المستضعفون من المؤمنين، كما سيأتي بيانه (فقل سلام عليكم) أمره الله بأن يقول لهم هذا القول تطييبا لخواطرهم وإكراما لهم. والسلام، والسلامة: بمعنى واحد، فمعنى سلام عليكم: سلمكم الله. وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد نزول هذه الآية إذا رآهم بدأهم بالسلام، وقيل: إن هذا السلام هو من جهة الله:
أي أبلغهم منا السلام. قوله (كتب ربكم على نفسه الرحمة) أي أوجب ذلك إيجاب فضل وإحسان، وقيل كتب ذلك في اللوح المحفوظ. قيل هذا من جملة ما أمره الله سبحانه بإبلاغه إلى أولئك الذين أمره بإبلاغ السلام إليهم تبشيرا بسعة مغفرة الله وعظيم رحمته. قوله (أنه من عمل منكم سوءا بجهالة) قرأ ابن عامر وعاصم ونافع بفتح أن من أنه، وقرأ الباقون بكسرها. فعلى القراءة الأولى تكون هذه الجملة بدلا من الرحمة: أي كتب ربكم على نفسه أنه من عمل إلى آخره. وعلى القراءة الثانية تكون هذه الجملة مفسرة للرحمة بطريق الاستئناف وموضع بجهالة النصب على الحال: أي عمله وهو جاهل. قيل: والمعنى أنه فعل فعل الجاهلين، لأن من عمل ما يؤدى إلى الضرر في العاقبة مع علمه بذلك أو ظنه، فقد فعل فعل أهل الجهل والسفه لافعل أهل الحكمة والتدبير، وقيل المعنى: أنه عمل ذلك وهو جاهل لما يتعلق به من المضرة، فتكون فائدة التقييد بالجهالة الإيذان بأن المؤمن لا يباشر ما يعلم أنه يؤدي إلى الضرر. قوله (ثم تاب من بعده) أي من بعد عمله (وأصلح) ما أفسده بالمعصية فراجع الصواب وعمل الطاعة (فإنه غفور رحيم). قرأ ابن عامر وعاصم بفتح الهمزة من " فإنه "، وقرأ الباقون بالكسر. فعلى القراءة الأولى تكون أن وما بعدها خبر مبتدأ محذوف: أي فأمره أن الله غفور رحيم، وهذا اختيار سيبويه، واختار أبو حاتم أن الجملة في محل رفع على الابتداء والخبر مضمر، كأنه قيل فله (أنه غفور رحيم) قال لأن المبتدأ هو ما بعد الفاء. وأما على القراءة الثانية فالجملة مستأنفة. قوله (وكذلك نفصل الآيات) أي مثل ذلك التفصيل نفصلها، والتفصيل التبيين.، والمعنى: أن الله فصل لهم ما يحتاجون إليه من أمر الدين وبين لهم حكم كل طائفة. قوله (ولتستبين سبيل المجرمين). قال الكوفيون: هو معطوف على مقدر: أي وكذلك نفصل الآيات لنبين لكم ولتستبين قال النحاس: وهذا الحذف لا يحتاج إليه. وقيل إن دخول الواو للعطف على المعنى: قرئ " لتستبين " بالفوقية والتحتية، فالخطاب على الفوقية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي لتستبين يا محمد سبيل المجرمين، وسبيل منصوب على قراءة نافع. وأما على قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وحفص بالرفع، فالفعل مسند إلى سبيل وأما على التحتية فالفعل مسند إلى سبيل أيضا، وهي قراءة حمزة والكسائي وشعبة بالرفع، وإذا استبان سبيل المجرمين فقد استبان سبيل المؤمنين.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله (قل هل يستوى الأعمى والبصير) قال: الأعمى الكافر الذي عمى عن حق الله وأمره ونعمه عليه، والبصير: العبد المؤمن الذي أبصر بصرا نافعا فوحد الله وحده، وعمل بطاعة ربه، وانتفع بما أتاه الله. وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن مسعود: قال مر الملأ من قريش على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب ونحوهم من ضعفاء المسلمين،