أي لا تدعون غيره بل إياه تخصون بالدعاء (فيكشف ما تدعون إليه) أي فيكشف عنكم ما تدعونه إلى كشفه إن شاء أن يكشفه عنكم لا إذا لم يشأ ذلك. قوله (وتنسون ما تشركون) أي وتنسون عند أن يأتيكم العذاب ما تشركون به تعالى: أي ما تجعلونه شريكا له من الأصنام ونحوها فلا تدعونها، ولا ترجون كشف ما بكم منها، بل تعرضون عنها إعراض الناس. وقال الزجاج: يجوز أن يكون المعنى: وتتركون ما تشركون. قوله (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك) كلام مبتدأ مسوق لتسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي ولقد أرسلنا إلى أمم كائنة من قبلك رسلا فكذبوهم (فأخذناهم بالبأساء والضراء) أي البؤس والضر وقيل: البأساء المصائب في الأموال، والضراء المصائب في الأبدان، وبه قال الأكثر (لعلهم يتضرعون) أي يدعون الله بضراعة. مأخوذ من الضراعة وهي الذل، يقال:
ضرع فهو ضارع، ومنه قول الشاعر:
لبيك يزيد ضارع لخصومة * ومختبط مما تطيح الطوائح قوله (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا) أي فهلا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا لكنهم لم يتضرعوا، وهذا عتاب لهم على ترك الدعاء في كل الأحوال حتى عند نزول العذاب بهم لشدة تمردهم وغلوهم في الكفر، ويجوز أن يكون المعنى أنهم تضرعوا عند أن نزل بهم العذاب، وذلك تضرع ضروري لم يصدر عن إخلاص فهو غير نافع لصاحبه، والأول أولى كما يدل عليه - ولكن قست قلوبهم - أي صلبت وغلظت (وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) أي أغواهم بالتصميم على الكفر والاستمرار على المعاصي. قوله (فلما نسوا ما ذكروا به) أي تركوا ما ذكروا به، أو أعرضوا عما ذكروا به. لأن النسيان لو كان على حقيقته لم يؤاخذوا به. إذ ليس هو من فعلهم. وبه قال ابن عباس وابن جريج وأبو علي الفارسي. والمعنى: أنهم لما تركوا الاتعاظ بما ذكروا به من البأساء والضراء وأعرضوا عن ذلك (فتحنا عليهم أبواب كل شئ) أي لما نسوا ما ذكروا به استدرجناهم بفتح أبواب كل نوع من أنواع الخير عليهم (حتى إذا فرحوا بما أوتوا) من الخير على أنواعه فرح بطر وأشر وأعجبوا بذلك وظنوا أنهم إنما أعطوه لكون كفرهم الذي هم عليه حقا وصوابا (أخذناهم بغتة) أي فجأة وهم غير مترقبين لذلك والبغتة. الأخذ على غرة من غير تقدمة أمارة، وهي مصدر في موضع الحال لا يقاس عليها عند سيبويه. قوله (فإذا هم مبلسون) المبلس: الحزين الآيس من الخير لشدة ما نزل به من سوء الحال، ومن ذلك اشتق اسم إبليس، يقال أبلس الرجل إذا سكت، وأبلست الناقة إذا لم ترع. قال العجاج:
صاح هل تعرف رسما مكرسا * قال نعم أعرفه وأبلسا أي تحير لهول ما رأى، والمعنى: فإذا هم محزونون متحيرون آيسون من الفرح. قوله (فقطع دابر القوم الذين ظلموا) الدابر الآخر، يقال دبر القوم يدبرهم دبرا: إذا كان آخرهم في المجئ، والمعنى: أنه قطع آخرهم: أي استؤصلوا جميعا حتى آخرهم. قال قطرب: يعني أنهم استؤصلوا وأهلكوا. قال أمية بن أبي الصلت:
فأهلكوا بعذاب حص دابرهم * فما استطاعوا له صرفا ولا انتصروا ومنه التدبير لأنه أحكام عواقب الأمور. قوله (والحمد لله رب العالمين) أي على هلاكهم. وفيه تعليم للمؤمنين كيف يحمدونه سبحانه عند نزول النعم التي من أجلها هلاك الظلمة الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون فإنهم أشد على عباد الله من كل شديد. اللهم أرح عبادك المؤمنين من ظلم الظالمين واقطع دابرهم وأبدلهم بالعدل الشامل لهم وقد أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله (فأخذناهم بالبأساء والضراء) قال: خوف السلطان وغلاء السعر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (فلما نسوا ما ذكروا به) قال: