الإشكال، إذ لو كان خبرا لكان كذبا، لجواز أن يرضعن أكثر من حولين أو أقل.
وقولك: حسبك درهم، معناه: اكتف بدرهم تام. وقيل: هو خبر بمعنى الأمر، وتقديره: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين في حكم الله الذي أوجبه على عباده، فحذف للدلالة عليه. وهذا أمر استحباب لا أمر إيجاب. والمعنى إنهن أحق برضاعهم من غيرهن بدليل قوله: (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى).
ثم بين مدة الرضاع فقال: (حولين كاملين) أي: عامين تامين أربعة وعشرين شهرا، وإنما ذكر كاملين، وإن كانت التثنية تأتي على استيفاء العدة، لرفع الإبهام الذي يعرض في الكلام. فإن الرجل يقول: سرت شهرا، وأقمت عند فلان سنة، وإن كان قد سار قريبا من شهر، وأقام قريبا من سنة. وفي هذا بيان لأمرين أحدهما:
مندوب والثاني: فرض. فالمندوب هو أن يجعل الرضاع تمام الحولين. والمفروض هو أن المرضعة تستحق الأجرة في مدة الحولين، ولا تستحق فيما زاد عليه.
واختلف في هذا الحد هل هو لكل مولود أو للبعض؟ فقال ابن عباس: ليس لكل مولود، ولكن لمن ولد لستة أشهر، وإن ولد لسبعة أشهر فثلاثة وعشرون، وإن ولد لتسعة أشهر فأحد وعشرون، يطلب بذلك تكملة ثلاثين شهرا في الحمل والفصال. وعلى هذا يدل ما رواه أصحابنا في هذا الباب، لأنهم رووا أن ما نقص عن أحد وعشرين شهرا فهو جور على الصبي. وقال الثوري وجماعة: هو لازم في كل ولد إذا اختلف والداه رجعا إلى الحولين، من غير زيادة ولا نقصان، ولا يجوز لهما غير ذلك. والرضاع بعد الحولين لا حكم له في التحريم عندنا، وبه قال ابن عباس وابن مسعود وأكثر العلماء قالوا: المراد بالآية بيان التحريم الواقع بالرضاع.
ففي الحولين يحرم، وما بعده لا يحرم.
وقوله: (لمن أراد أن يتم الرضاعة) أي: لمن أراد أن يتم الرضاعة المفروضة عليه. وهذا يدل على أن الرضاع غير مستحق على الأم، لأنه علقه بالإرادة ويدل عليه قوله: (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى). وقال قتادة والربيع: فرض الله على الوالدات أن يرضعن أولادهن حولين، ثم أنزل الرخصة بعد ذلك، فتال: (لمن أراد أن يتم الرضاعة) يعني إن هذا منتهى الرضاع، وليس فيما دون ذلك حد محدود، وإنما هو على مقدار صلاح الصبي، وما يعيش به. (وعلى المولود له) يعني الأب (رزقهن) يعني الطعام والإدام (وكسوتهن) يعني لباسهن، والمراد رزق الأم