التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٧
على وفق مذاهبه وتحقيقاته فلما جاء المتأخرون وجدوا أحكاما مشهورة قد عمل بها الشيخ ومن بعده فحسبوا ذلك شهرة بين العلماء وما فطنوا أن مرجعها إلى الشيخ وأن الشهرة إنما حصلت بمتابعته وتخطى ذلك قوم وسموها اجماعا وفي الكلام إيماء إلى أن الشهرة بين الأولين من أصحاب الأئمة صلى الله عليه وآله وأرباب النصوص ليست حالها على هذا المنوال وهو كذلك لأن المفهوم من سيرهم وأحوالهم بالتتبع أنهم كانوا يتثبتون كثيرا ويراجعون المعصوم في جلائل الأمور ودقائقها ولا يتسارعون إلى الحكم والفتوى في المسائل إلا بثبت مركون إليه ودليل مقبول يسوغ التعويل عليه فاشتهار الحكم بينهم مما يستبعد جدا أن يقع جزافا بل الذي يقوى في النفس أنهم أخذوه عن الحجة بإحدى الطرق المعتبرة ومع ذلك كله فلا تنهض حجة فيما لا يتسامح فيه و المستيقن لا يفارق الاحتياط في العمل ما أمكن على أن البحث عنها قليل الجدوى إذ معرفة المشهور بينهم في آحاد المسائل التي يختلف فيها الآن مما كاد يلحق بالمحالات لأن كتبهم في الفتاوى المجردة قليلة جدا وإنما يوجد نبذ منها متفرقة في أسفار الناقلين كما في كتاب الكافي وغيره كالفقيه والتهذيب ولا يبعد أن تكون الإشارة إلى هذا فإن روى صاحب العوالي مرفوعا عن زرارة بن أعين قال سألت أبا جعفر (ع) فقلت جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ فقال (ع) يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر فقلت يا سيدي أنهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم فقال (ع) خذ بقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك فقلت إنهما معا عدلان مرضيان موثقان فقال انظر ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه وخذ بما خالفهم قلت ربما كانا معا موافقين لهم أو مخالفين فكيف أصنع فقال إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط فقلت إنهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع فقال (ع) إذن فتخير أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر قال وفي رواية أنه (ع) قال إذن فارجه حتى تلقي إمامك وتسئله وهي صريحة في التعويل على الشهرة فكيف ينفى الاعتداد بها بقسميها قلت المعول عليه في الحديث إنما هو اشتهار الرواية بين أصحابه دون اشتهار القول المجرد عن البرهان بين القائلين به وكذا لا نعتد باجماع يدعى في محل الخلاف كما كثر من ابن إدريس والمحقق الثاني وبعض من تقدمهما فإنه ليس إلا زورا إذ المجمع عليه لا ريب فيه كما تقدم في المقبولة وفي معناها مرسلة الإحتجاج فكيف يشتبه بالمتنازع فيه وقد يوجه للذب عن هؤلاء الأجلة قدس الله أرواحهم بوجوه مثل أن مرادهم الشهرة كما سبق سواء ألحقناها به في الحجية أم لا أو تأويل الخلاف على وجه يمكن مجامعته لدعوى الاجماع وإن بعد كجعل الحكم من باب التخيير أو عدم اعتداد مدعيه بخلاف معلوم النسب أو اطلاعه في عصره على الخلاف وهو الذي ارتضاه المصنف (ره) في المفاتيح وغيره ويرد عليها جميعا عدم الاطراد لما اتفق منهم كثيرا من ادعائه على ما لم يبلغ حد الشهرة وفي مواضع لا تكاد تنالها أيدي التأويل وقدحهم في الاجماع تارة بخلاف معلوم النسب وعدم اعتدادهم بمخالفة مجهوله أخرى على أنه لا فرق بين معلومه ومجهوله إذ المقدمة التي بنوا عليها أمر الاجماع وهو قبح الاجتماع على الخطأ على تقدير تسليمها تهدم في الصورتين كما بيناه في شرح المفاتيح وربما يكون المدعي هو الناقل للخلاف أو هو المخالف وربما تتعارض الدعويان مع اتحاد المدعي والحق أنه وإن تقاصر كل منها عن شمول هذه الاجماعات إلا أنها غير خارجة عن مجموعها كما لا يخفى على المتتبع وأكثر الاجماعات المنقولة في المسائل النظرية من هذا القبيل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل مقدمة في تقسيم العلم بوجه آخر غير ما تقدم في ضمن تقسيم الحكمة وبيان مرتبة كل قسم وآداب العالم والمتعلم فهي يسيرة الألفاظ كثيرة الفوائد والتنوين للتحقير أو التعظيم العلم هو حصول الصورة في الذهن أو الصورة الحاصلة فيه أو انتقاشها بها وهذا الحد ينطبق طردا وعكسا على جميع أنواعه بتصوراتها وتصديقاتها وهي وإن كانت كثيرة إلا أن مجامعها علمان علم الدنيا وعلم الآخرة وعلم الدنيا ما يرتبط به مصالح الدنيا كالطب والحساب وعلم الآخرة علمان أحدهما علم يقصد لذاته وهو العلم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وهو إما تحقيقي أو تقليدي فالتحقيقي نور يظهر في القلب عند تطهيره وتذكيته من ذمائمه فينشرح للحق فيشاهد بذلك النور و والانشراح الغيب ففي الحديث النبوي ليس العلم بكثرة التعلم وإنما هو نور يقذفه الله في قلب من يريد أن يهديه وفيه ما من عبد إلا ولقلبه عينان وهما غيب يدرك بهما الغيب فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح عيني قلبه فيرى ما هو غايب عن بصره فعند ذلك ينكشف عليه أمور كان يسمع من قبل أسماءها ويتوهم لها معاني مجملة غير متضحة فيتضح له جميع ذلك حتى تحصل له المعرفة التامة بذات الله وبصفاته وأفعاله و حكمته ومعنى النبوة والإمامة والوحي وكيفية وصوله إلى النبي وحديث الملك مع الإمام ومعنى الآخرة والجنة و النار وما يتعلق بهما إلى غير ذلك فإن للناس في تصور حقايق هذه الأمور بعد التصديق بأصولها مقامات متفاوتة ودرجات متفاضلة فنعني بالعلم المقصود لذاته أن يرتفع الغطاء حتى يتضح جلية الحق في هذه الأمور اتضاحا يجري مجرى العيان الذي لا شك فيه كما في حديث أمير المؤمنين (ع) لو كشف الغطاء لما ازددت يقينا ولم أعبد ربا لم أره لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقايق الايمان وذلك بتفريغ القلب عن الشواغل وتخليته عن الهموم المختلفة المتنوعة وجعلها كلها هما واحدا كما يأتي فيتسع بذلك وينفسح فيحتمل البلاء لسعته وفي الحديث أن أشد الناس بلاء في الدنيا الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل ويحفظ السر وهو ما ظفر به من مكنون العلم الصعب المستصعب الذي لا يحتمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد امتحن الله قلبه للايمان ولقد بولغ في الحث على كتمان الأسرار والمنع عن الافشاء والإذاعة والهتك بما لا مزيد عليه أما لغموض الأمر وقصور الأفهام العامية عن ادراكه و افشاء مثل هذا وضع للحكمة في غير موضعها كتعليق الدر في أعناق الخنازير وفي الحديث لا تحدثوا الجهال بالحكمة فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ومشغلة لأذهانهم بما لا يرجع إلى طائل وذلك مثل حقيقة الروح التي هي من عالم الملكوت والنفوس الناقصة التي لم يتجاوز عالم الملك بمعزل عن ادراكها
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360