الانسانية من حيث صدور الأعمال عنها جميلة أو قبيحة وغاية لأنها ترقية النفس الناقصة التي هي أخس الموجودات إلى مرتبة الخلافة التي هي أشرف المراتب الممكنة ومن ثم سميت الإكسير الأعظم وربما يعبر عنها في كتب الأقدمين بالطب الروحاني لأنها تحفظ الكمال على النفوس الكاملة كما تحفظ الصحة على الأمزجة الصحيحة في الطب الطبيعي وتأخذ بالنفوس الناقصة إلى الاعتدال بإزالة الذمايم التي هي أمراض الأرواح كما قال (تع) في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا وقال صم بكم عمي فهم لا يعقلون و وللمصنف قدس الله روحه كتب جيدة مبسوطة ومتوسطة في أقسام الحكمتين ثم رجع إلى مطولاته في الحكمة النظرية فانتخب مهماته في متون وجيزة وهذه أيضا نخبة وجيزة في الحكمة العملية والأحكام الشرعية على ما ورد به الكتاب والسنة وهي ما سنه رسول الله صلى الله عليه وآله كما سبق وآثار الأئمة الاثني عشرا و المقتدى بهم من أهل بيت العصمة ومن اقتبس من أنوارهم (ع) من المشايخ الموثقين فإن الاقتداء بهم فيما يتسامح فيه من الآداب والسنن وفضايل الأعمال مما لم يثبت عن أهل العصمة صلى الله عليه وآله خلافه مما لا ضير فيه وكلها راجعة إلى السنة وفيه إشارة إلى حصر الأدلة الشرعية في الكتاب والسنة وأما الاجماع ودليل العقل والاستصحاب فما يصلح منها للحجية وهو من الأول ما بلغ مبلغا يعلم دخول المعصوم فيه المرادف لضرورة الدين أو المذهب أو المتاخم لها ومن الأخيرين ما ينطبق على قواعد الكتاب أو السنة فهي غير خارجة عنهما وما عدا ذلك لا تعويل عليه كما صرح به في غير موضع وهذه النخبة تفصل بين ما وضح دليله منهما وهو ما يتوصل بصحيح النظر فيه إليه بوضوح دلالته من غير ابهام سواء كانت مطابقية أو تضمنية أو التزامية على تشكيك في الأخيرتين لا يصغى إليه وبأن سبيله بخلوصه عن المعارض ابتداء أو بعد الترجيح بالوجوه المأثورة الآتية مما لا ريب فيه لحصول العلم الشرعي به الموجب للعمل ولا ينافي ذلك ظنية الدلالة أو الطريق لأن المعلوم إنما هو وجوب العمل فهو غير المظنون وهذه هي الأحكام الموردة فيها على وجه الفتوى والجزم وبين ما أبهم مأخذه وأظلم مسلكه بصيغة المعلوم في الفعلين واقحام البين للفصل الكثير بين المتعاطفين مما يتشابه الأمر فيه لفقد الدليل أو وجود المعارض حيث لا ترجيح وهذه هي المشفوعة بالإشارة إلى نوع من التردد مع بيان ما يحصل به يقين البراءة والخروج عن العهدة ليكون العامل على بصيرة من الأخذ باليقين والاحتياط في أمور الدين إذ ورد في الأمر بذلك ما ورد فعن أمير المؤمنين (ع) أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت و في الصحيح عن عبد الرحمن الحجاج قال سألت أبا الحسن (ع) عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما جزاء فقال لا بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد قلت إن بعض أصحابنا سئلني عن ذلك فلم أدر ما عليه فقال إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسئلوا عنه فتعلموا وفي مقبولة عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (ع) في الرجلين المتنازعين قلت فإن كان كل واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا ناظرين في حقهما واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلف في حديثكم قال الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر قال قلت فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه قال فقال ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه وإنما الأمور ثلاثة أمر بين رشده فيتبع وأمر بين غيه فيتجنب وأمر مشكل يرد علمه إلى الله وإلى رسوله قال رسول الله صلى الله عليه وآله حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم قلت فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة قلت جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ قال ما خالف العامة ففيه الرشاد فقلت جعلت فداك فإن وافقهم الخبران جميعا قال ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر قلت فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا قال إذا كان ذلك فارجه حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات وفي بعض خطب أمير المؤمنين (ع) إن الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تنقضوها وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا لها فلا تكلفوها رحمة من الله لكم فلا تكلفوها فاقبلوها ثم قال (ع) حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له ترك والمعاصي حمى الله فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها وفي معناها روايات أخر وقد دخلت الشبهة على عصبته من الآخرين في تحقيق الشبهة وذلك أنهم اتفقوا في مفهومها وأنه كل ما فيه اشتباه وخفاء وزعموا أن ذلك حقيقتها الشرعية والعرفية واللغوية وهو مقتضى مقابلته بالبين في أحاديث التثليث وعلى صدقها على ما تعارضت فيه الأدلة واختلفوا في شمولها لما لا نص فيه فمن قائل إنه ليس بالحلال البين ولا بالحرام البين لأن البيان إنما هو بالنص والفرض انتفاؤه فيندرج تحت الشبهات وإلا لاختل التقسيم وأيضا قد ورد الأمر بالاحتياط في الصحيحة فيما لا نص فيه وفي المقبولة وما في معناها في الشبهات على وجه يفيد القصر بالقرائن والاجماع على أنه للاحتياط في غير الشبهات و زعموا أنه المراد بالمسكوت عنه في كلام أمير المؤمنين (ع) وهو ظاهر المصنف هنا وصريحه في غيره ومن قائل إن حديثي التثليث اللذين فيهما ذكر الشبهات إنما يدلان على ثبوت شبهات بين الحلال البين والحرام البين ولا دلالة فيهما على أن كل ما بينهما شبهة لفقد ما يدل على العموم والمهملة في قوة الجزئية فيكفي تحققها في ضمن المتفق عليه وهو ما تعارضت فيه الأدلة أو يخص التثليث بغير المسكوت عنه وأما المسكوت عنه فهو مباح رحمة من الله على عباده للعمومات الدالة على إباحة ما لا نص فيه وخارج عن مجرى هذا التقسيم
(٥)