وتزويق المصاحف أو الإباحة فمباحة كالتوسع في اللذيذ من المآكل والملابس والمساكن وتوسيع الأكمام ونحوها وقيل إن اسم البدعة لا يطلق إلا على ما هو محرم من هذه الأقسام وهو الموافق للأصل وفي الحديث المستفيض كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار وقد كثر في الأدعية المأثورة الاستعاذة من البدع وسؤال التوفيق لمجانبتها والأهواء جمع هوى بالقصر وهي ميل النفس إلى ما تشتهيه من حق أو باطل ثم غلب استعماله في الثاني لأنه الغالب بحيث لا ينصرف الذهن عند الاطلاق إلا إليه وعليه قوله (تع) ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله وقوله سبحانه أرأيت من اتخذ إلهه هواه وقول أمير المؤمنين (ع) إن أخوف ما أخاف عليكم اثنان اتباع الهوى وطول الأمل ولأجل هذا التشديد العظيم الواقع في أمر البدع والأهواء حسن تشبيهها بالظلمات أو ذواتها لجامع السببية في الضلال عن السبيل المقيم والجار في قوله عن صراطه المستقيم متعلق بفعل الابلاج كما في الفقرة الأولى والصراط المستقيم هو حاق الحق والعدل المطلق وذلك أن النفس الانسانية واقعة في جميع أحوالها بين رذائل متخالفة متعاندة واقعة على طرفي الزيادة والنقصان وذمايم بينها كمال التنافي حاصلة على طرفي الافراط والتفريط كلما تباعد الانسان عن أحدهما تقارب إلى الآخر ولا مخلص منها إلا بالاقتصاد التام وملازمة الوسط الحقيقي الذي هو غاية البعد عن الطرفين ونهاية الانفكاك الممكن عنهما ففي اعمال القوة الشهوية يكون ملازما للعفة التي هي التوسط بين افراط الفجور وتفريط الخمود وفي القوة الغضبية للشجاعة المتوسطة بين التهور والجبن وفي القوة الفكرية للحكمة المتوسطة بين الجربزة والبلاهة والمراد بها هنا ما يقارب الفطنة وحسن الانتقال منا المبادي إلى الغايات وهذه هي أصول الفضائل المحصلة للعدالة الظاهرة فالعفيف لا فاجر ولا خامد والشجاع لا متهور ولا جبان والحكيم لا جربز ولا إبله وهكذا يختار التوسط والأمر بين الأمرين في سائر الأخلاق والأعمال المنشعبة عن الأصول المذكورة ففي المعاشرة التواضع المتوسط بين التكبر والتخاسس والبشاشة بين التزمت والدعابة والحلم بين الطيش والمهانة والمروة بين الآنفة والدنائة وفي الاكتساب السعي الجميل بين الحرص والكسل وفي المعيشة التقدير بين التبذير والتقتير وفي البذل السخاوة بين الاسراف والبخل وفي الأكل والشرب والنوم والكلام وغير ذلك لا يخرج عن الاعتدال والاقتصاد حتى في العبادة يكون ملازما للرفق خارجا عن مرتبة الإضاعة غير بالغ حد الايغال الذي هو الاكثار منها بحيث يعقب الملال وانتهاك البدن ومن ثم كره صوم الدهر بل وفي مودة ذي القربى يكون مقتصدا ومتقصرا على مرتبة الولاية متجاوزا عن تفريط النصب متقاصرا عن افراط الغلق والتفويض فهذه هي الطريقة المثلى الموصلة إلى الرفيق الأعلى وفي الحديث الصراط المستقيم في الدنيا ما قصر عن الغلو وارتفع عن التقصير واستقام وفي الآخرة طريق المؤمنين إلى الجنة وفي حديث آخر الصراط أدق من الشعر واحد من السيف وذلك أن الوسط الحقيقي بين الأمور المتنافية كمال التنافي يكون في غاية الغموض والبعد عن الادراك لأنه أشبه شئ بالخط الهندسي الفاصل بين الظل والشمس الذي لا عرض له أصلا ولأجل ذلك لا تؤمن غائلته ولا يبعد أن يكون هذا الصراط في الدنيا هو الجسر المدود على متن جهنم الذي يمر عليه المؤمنون إلى الجنة في النشأة الآخرة وما ورد من أن منهم من يمر كالبرق الخاطف ومنهم مثل عدو الفرس ومنهم من يمشي حبوا ومنهم من يمر عليه متعلقا فتأخذ النار منه شيئا وتترك شيئا إلى غير ذلك من الأحوال المختلفة مسببا عن اختلافهم الشديد في مراتب القرب من العدل الحقيقي والبعد عنه وتفاوتهم في قلة الالتفات إلى الميول الطبيعية و كثرته وهذا كله مبين في كلام الله وكلام رسوله وكلام أهل البيت صلى الله عليه وآله ومن ثم ورد في تفسير البطون تفسير البطون الصراط المستقيم بالقرآن وبالإمام وعقب الحمد بانشاء الصلاة والسلام على محمد وآله قضى لحقوقهم وتبركا بذكرهم (ع) المعصومين من الذنوب بالاجماع والسهو والنسيان على المشهور ما دامت الصلاة والتسليم وهي أبد الأبدين كما في بعض الأدعية المأثورة صلاة يصعد أولها ولا ينفد أخرها وفعل الدوام تام لا يحتاج إلى الخبر كما في قوله (تع) خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض و بعد الحمد والصلاة السلام فيقول خادم العلوم الدينية وهي العلوم الثلاثة الأخروية التي يأتي بيانها وهي المسماة بالفقه في الصدر السالف وخدمتها عبارة عن الاشتغال بها ونشرها وترويجها وكثيرا ما يصف المصنف وهو محمد بن مرتضى الملقب بمحسن أحسن الله إليه نفسه بهذا الوصف يتمدح به و يتبجح ومن ثم قدمه على الاسم مع أنه بحسب المعنى نعت حقه التأخير اهتماما به وشوقا إليه وحق له ذلك فإنه لم يجتهد أحد من علماء المائة الحادية عشر اجتهاده في ذا الباب وقد بلغ في كثرة التصانيف المختصرة والمطولة وتلخيص المعاني وتقريبها إلى الأفهام والتوفيق بين العقل والشرع وتسهيل الأمر على الناظرين مبلغا لم يسبقه إليه سابق ولا يشق غباره لاحق وفي التسمية على الوجه المذكور إشارة إلى أن الاسم في هذه المركبات التي شاعت التسمية بها في هذه الأعصار المتأخرة إنما هو الجزء الأول لا غير فالتركيب تقييدي خلافا لمن جعله مجموع الجزئين واعتبر التركيب مزجيا وبيان مقالته إن الله (تع) خلق الانسان في أحسن تقويم وجعله في الأرض خليفة وخصه بالتكريم وآتاه الحكمة وفصل الخطاب ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب وقد ورد عن الصادقين صلى الله عليه وآله تفسير الحكمة بوجوه متقاربة يعمها جميعا ما قيل إنها خروج النفس إلى كمالها الممكن في قوتيها العلمية والعملية معا فهي مركبة من جزئين علم هو تصور حقايق الموجودات والتصديق بأحكامها وما يتبع ذلك وعمل هو ممارسة الحركات الإرادية ومزاولة الصناعات الاختيارية لاخراج ما في القوة إلى الفعل على وجه يؤدي إلى صلاح المعاش والمعاد وينقسم الجزء العلمي بحسب المعلومات إلى قسمين لأنها إما أن يتوقف وجودها على الحركات الإرادية الانسانية أو لا ويسمى الأول حكمة
(٣)