بها النفوس ولا تدرك معانيها العقول القاصرة كرمي الجمار والتردد بين الصفا والمروة على سبيل التكرار فإنها مما اختص بها الحج دون سائر العبادات كالزكاة التي هي انفاق مقدر على وجه معلوم ينتفع به الفقراء والصوم الذي هو كسر للشهوة ورياضة وتصفية للنفس والصلاة التي هي تواضع وتعظيم وذكر لله سبحانه على هيئة الخضوع والخشوع فإنها كلها معان معقولة لكل من له أدنى غور وبصيرة في الأمور بخلاف وظائف الحج ومن ثم كثر هذر الملاحدة فيه دونها ولعل هذا هو الوجه في اختصاصه بكبر استخفافه وأيضا كل ما أدرك العقل وجه الحكمة في فعله مال الطبع إليه ميلا ما بقدر ما أدرك من وجه حكمته فيكون ذلك الميل معينا في الأمر وباعثا على الفعل فلا يكاد يظهر به كمال الرق والانقياد وإذا اقتضت حكمة الله سبحانه ربط نجاة الخلق بكون أعمالهم على خلاف أهوية طباعهم وأن تكون أزمتها بيد الشارع فيترددون في أعمالهم على سنن الانقياد ومقتضى الاستعباد كان ما لا يهتدي إلى معانيه أبلغ أنواع التعبدات في تزكية النفوس وصرفها عن مقتضى الطبع إلى مقتضى الاسترقاق ولأجل ذلك قال صلى الله عليه وآله في الحج على الخصوص لبيك بحجة حقا تعبدا ورقا ولم يقل ذلك في الصلاة وغيرها فمن ثم كان الاستخفاف به بأي معنى أخذ أكبر من الاستخفاف بغيره والاشتغال بالملاهي يشمل اللعب بها واستماعها وتعليمها وتعلمها وعمل آلاتها وبيعها وشرائها ونحو ذلك والاصرار من الصر وهو الشد والربط قال المفسرون في قوله (تع) ولم يصروا على ما فعلوا أنه الإقامة على الذنب من دون استغفار كان المذنب ارتبط بالإقامة عليه وقيل هو الاكثار من الذنوب سواء كان من نوع واحد منها أو أنواع مختلفة وقيل هو المداومة على نوع واحد منها وقيل هو أن تتكرر الصغيرة بحيث يشعر مجموعها بما يشعر به أصغر الكباير وفي حديث جابر عن أبي عبد الله (ع) هو أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث نفسه بتوبة فذلك الاصرار وهو ظاهر المقابلة في حديث هشام عن أبي الحسن (ع) والتوبة والاصرار وفي حديث سماعة عن أبي عبد الله (ع) والتوبة وضدها الاصرار وفي النبوي المتفق عليه لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار ويمكن تطبيق كلام المفسرين عليه إلا أن ما ذكروه من التعليل والتمثيل من أنه إنما كبر لأنه سبب تراكم الظلمة على القلب كالأنفاس المتعاقبة على وجه المرآة ولو مر عليه ذلك المقدار من النسيم دفعة مجتمعة لما أثر فيه ذلك التأثير أو قطرات الماء المتقاطرة على الحجر فإنها تؤثر فيه بخلاف ما لو جمعت وصبت صبة واحدة لإملائه فإنه يقتضي كونه أمرا وجوديا ومقتضى الروايات أنه عدمي إلا أن يقال إن الواجب المبادرة إلى التوبة في كل آن فيحصل في تركها في الآنات المتعاقبة ذنوب كثيرة تنضاف إلى الأول ويتحقق المحذور وبما ذكرناه ظهر أن تقسيمه إلى الفعلي والحكمي ثم المناقشة في تعريف كل منهما مما لا وجه له وكذا الخلاف في أن الكبيرة هل هي نفس الاصرار على الصغيرة كما هو ظاهر حديث الكتاب أو هي الصغيرة المصر عليها كما هو ظاهر الحديث النبوي ولا يعرف لهذا الخلاف ثمرة بعد الاتفاق على تحقق كبيرة بالاصرار ومثله القول في الاستحقار للذنب كأن يقول باللسان أو بالقلب وإن كان الأول أفحش طوبى لي لو لم يكن غير ذلك فورد عن أبي عبد الله (ع) أنه لا يغفر روى ذلك زيد الشحام في الموثق عنه (ع) قال اتقوا المحقرات من الذنوب فإنها لا تغفر قلت وما المحقرات قال الرجل يذنب الذنب فيقول طوبى لي لو لم يكن لي غير ذلك وهو مما يؤدي إلى الاصرار مطلقا وكذا نسيان حلمه (تع) عنه في تأخير العقوبة وستره عليه بالصون عن الفضيحة حسبانا منه أن ذلك عناية من الله به وكرامة له فإنه سبب الأمن من مكره عز وجل باستدراجه من حيث لا يعلم واملائه له ليزداد إثما وكذا الاظهار بالاتيان به بمشهد الغير ابتداء أو التحدث به بعد ذلك فإنه يؤدي إلى ذنوب آخر كهتك الستر وهو مضادة له (تع) لأنه كريم يظهر الجميل ويستر القبيح وترغيب الغير سيما إذا كان متبوعا فيكون قد سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها وورد في الحديث النبوي المذيع بالسيئة مخذول والمستتر بها مغفور له وهذه الكباير كلها راجعة عند التأمل إلى ما يتعلق بالضروريات الخمس التي هي مصلحة الأديان والعقول والنفوس والأموال والأنساب و أما الصغاير فهي ما عدا الكباير المعدودة وهي كثيرة ولنذكر جملة من المنصوصات مما يكثر وقوعها وربما يرجع بعضها إلى الكباير ويعد منها فمنها تحليل الحرام وتحريم الحلال والقياس في الدين والافتاء في المسائل الشرعية بغير حجة شرعية ومتابعة البدع والاستهانة بحرمات الله كالقرآن وقبور الأنبياء والأئمة (ع) وقلة الاعتناء بآثارهم وأخبارهم ومنع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه والسعي في خرابها وكتمان الحق والرشا في الكتمان والوقوف في بلد الكفر مع التمكن من الخروج منه ومشاقة الرسول ومتابعة غير سبيل المؤمنين وتحريف الكلم عن مواضعه وقطع الطريق ومنع الماء المنتاب والغصب واللبث في المساجد جنبا أو حايضا ولبس الذهب للرجال وكذا الحرير إلا ما استثنى واستعمال أواني الذهب والفضة وتصوير ذوات الأرواح والبناء رياء وسمعة وقذف غير المحصنة وهجاء المؤمنين والغيبة والنميمة و الشكوى في المصائب والنياحة بالباطل واللعن والسب لغير مستحقهما وتكلم المرأة عند الأجانب لغير ضرورة وتحدثها بما تخلو به مع زوجها والاستماع إلى ذلك كله وتزين المرأة لغير زوجها وخروجها من بيته بغير إذنه ومباشرتها لأخرى ليس بينهما ثوب والقيادة والمساحقة والنظر إلى عورة المسلم والاطلاع على بيت الجار والاستماع إلى حديث قوم وهم كارهون و الحضور في محاضر المعصية والصفق والرقص والصفير وعلى مائدة يشرب عليها الخمر وإن لم يشرب
(٢٣)