على أن جميع ما حرره المتكلمون في ذا الباب فإنما أخذوا أصوله من كلام الله وكلام أهل البيت (ع) خصوصا أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله الذي هو آية الله الكبرى وفي كلماته من العلوم الإلهية والمعارف الربانية ما تتقاصر دونه علوم الأولين والآخرين وإنما وقعوا فيما وقعوا في الزيادات التي أردفوها من تلقاء أنفسهم والمقتصر على لباب الحق في غنية عنها فالراشد للبصير لا يكدر قلبه السليم برين ولا ولا يعدو التشبث بأذيال الثقلين ويقتصر على محكمات الكتاب والسنة غير متصرف بعقله الجزئي في شئ منها لاعتصامها عن الهوى والمسترشد المستبصر إذا حفظ ترجمة العقايد التي لقنها في مبدأ نشوه فلا يزال ينكشف له معانيها ويتكامل بتكامل تميزه حتى يبلغ حد الاعتقاد إلا أنه اعتقاد ضعيف يقبل الزوال بالقاء نقيضه إليه فلا بد من تقويته واثباته في نفسه حتى يترسخ به ولا يتزلزل لا بأن يعلم صنعة الجدل والكلام فإن ما يفسده الجدل أكثر مما يصلحه وما يشوشه أكثر مما يمهده كما تقدم ومن المشاهدات أن عقايد العوام أرسى وأرسخ من عقايد المتكلمين بل بأن يشغل بتلاوة القرآن وتفسيره وقراءة الحديث ومعانيه ويشتغل بوظائف العبادات فلا يزال يقوى اعتقاده ويزداد رسوخا بما يقرع سمعه من أدلة القرآن وحججه وما يرد عليه شواهد الأحاديث وفوائدها وبما يسطع عليه من أنوار العبادات وما يسري إليه من مشاهدة الصالحين ومجالستهم وروية سيماهم وسيرتهم و هيئاتهم في الخضوع لله والاستكانة له واستماع مواعظهم اللينة وأمثالهم فيكون أول التلقين كالقاء بذر في الصدور وهذه الأسباب كالسقي والتربية له حتى ينمو ذلك البذر ويقوى ويرتفع شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء وليس تأييد الاعتقاد بالعمل بمقتضاه وصحبة الصالحين واصغاء الوعظ اللين مما يختص به المسترشدون ويندب إليه المبتدؤون فقط بل انتفاع العلماء الكاملين بملازمة هذه الآداب عظيم كما يقضي به المشاهدة وكذا ترك مجادلة المتكلمين سواء اعتبر المصدران مضافين إلى المفعول أو الأول إلى مفعوله النوعي والثاني إلى الفاعل هذا كله في الأصول الاعتقادية وفي الفروع العملية يتمسك بالمجمع عليه لأنه لا ريب فيه كما تقدم وروى صاحب الإحتجاج عنهم (ع) إذا اختلف أحاديثنا فخذوا عليكم بما اجتمعت عليه شيعتنا فإنه لا ريب فيه ثم الأحوط عند فقد الاجماع ووجود الخلاف إن أمكن ثم عند فقده يختار الأوثق دليله إما لموافقته لشواهد الكتاب والسنة كذا دون دليل الخلاف أو لمخالفته للمشهور بين القوم وموافقته له أو لكونه أشهر بين الرواة ثم عند تعذر هذه الوجوه يأخذ بقول من ظن أنه أعلم وأورع وإن اختلفا في الوصفين عول على أعلم الورعين وأورع العالمين فهذه هي الوجوه المأثورة في باب الترجيح عند التعارض في مقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة زرارة اللتين هما الأصل في الباب إلا أن الترتيب المذكور غير منطبق على شئ منهما وما اعتبره في الوافي وسفينة النجاة من أنه يؤخذ بخبر الأوثق وما للقرآن أوفق وعن رأي المخالفين أبعد وأسحق ثم التخيير على وجه التسليم المطلق فإنها كلها حق مع مخالفته لما هنا مخالف أيضا للروايتين وهما أيضا متخالفتان في الترتيب وتنفرد الأولى باشتمالها على الترجيح بموافقة الكتاب والارجاء أخيرا والثانية بالاحتياط والتخيير وقد ورد في روايات أخر الاكتفاء ببعض هذه روى الصدوق في عيون الأخبار أنه سئل الرضا عليه السلام وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه وقد كانوا تنازعوا في الحديثين المختلفين عن رسول الله صلى الله عليه وآله في الشئ الواحد فقال (ع) إن الله عز وجل حرم حراما وأحل حلالا وفرض فرائض إلى أن قال فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول الله إلى أن قال وما لم تجدوه في شئ من هذه الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكف والتثبت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا وفي كتاب الإحتجاج للشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي (ره) عن الحسن بن الجهم قال قلت للرضا (ع) تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة قال ما جاءك عنا فقسه على كتاب الله عز وجل وأحاديثنا فإن كان يشبهها فهو منا وإن كان لم يشبهها فليس منا قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم أيهما الحق قال إذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت وعن سماعة بن مهران قال سألت أبا عبد الله (ع) قلت يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا عنه قال لا تعمل بواحد منهما حتى تلقي صاحبك فتسأله عنه قال قلت لا بد من أن يعمل بأحدهما قال خذ بما فيه خلاف العامة وفي كتاب الأصول الأصلية ووسائل الشيعة والفوائد المدنية نقلا عن رسالة الفقهاء للشيخ قطب الدين الراوندي طاب ثراه في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فذروه فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه و وفي الموفق عن الحسن بن الجهم قال قلت للعبد الصالح يسعنا فيما يرد علينا منكم إلا التسليم لكم فقال لا والله لا يسعكم إلا التسليم لنا قلت فيروي عن أبي عبد الله (ع) ومروي عنه خلافه فبأيهما نأخذ قال خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه وعن أبي عبد الله (ع) قال إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم وعن محمد بن عبيد الله قال قلت لأبي الحسن الرضا (ع) كيف نصنع بالخبرين المختلفين فقال إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فانظروا ما يخالف منهما العامة فخذوه وانظروا ما يوافق أخبارهم فدعوه والمتقيد بالأخبار لا محيص له عن إهمال الترتيب بوجوهه والاقتصار على القدر الجامع بين جميعها وهو جواز الترجيح بكل منها في الجملة والزيادة على ذلك موكولة إلى بصيرة الناظر في الحلال والحرام فيبحث بقوته القدسية في كل مورد مورد من موارد التعارض عن القرائن والخصوصيات التي لا تندرج تحت قاعدة كلية فإنها من أقوى البينات على تعيين الوجه الراجح وفي الحديث النبوي أن على كل حق
(١٤)