فانتهرته (1) فأمسى وهو ساخط عليها، فلما دخل المسجد للصلاة تبعته فأعرض عنها، فمشت اليه وقبلت يده اليمنى وقبلت رأسه فأعرض عنها، فعلمت أنه ساخط عليها، فلطمت وجهها وعفرت (2) خدها وبكت بكاء شديدا وانتحبت (3)، ورجفت (4) بنفسها مخافة رب العالمين وخوفا من نار جهنم يوم وضع الموازين ونشر الدواوين وإشفاقا من عذاب مالك يوم الدين، فأتت بسفط فيه عطر وطيب، فتعطرت وتطيبت كما تفعل العروس حين تزف إلى زوجها، ثم وطأت الفراش وتنجزت (5) له اللحاف، فدخلت وعرضت نفسها عليه فأعرض عنها، فانكبت عليه تقبله فحول وجهه عنها، فلطمت وجهها وبكت بكاء شديدا خوفا من الله عز وجل وإشفاقا من عذابه وفزعا وجزعا من نار وقودها الناس والحجارة، ولم تذق تلك الليلة نوما، وكانت تلك الليلة أطول عليها من يوم الحساب لسخط زوجها عليها وما أوجب الله عز وجل عليها من الحق، فلما أصبح الصباح قضت صلاتها وتبرقعت وأخذت على رأسها رداء، وخرجت سائرة إلى دار رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما وصلت أنشأت تنادي: السلام عليكم آل بيت النبوة ومعدن العلم والرسالة ومختلف الملائكة أتأذنون لي بالدخول عليكم رحمكم الله، فسمعت أم سلمة (رضي الله عنها) كلامها فعرفتها فقالت لجاريتها أخرجي فافتحي لها الباب، ففتحته لها فدخلت، فقالت أم سلمة ما شأنك يا حولاء - وكانت الحولاء أحسن أهل زمانها - فقالت يا ستي (6)، خائفة من عذاب رب العالمين، غضب زوجي علي فخشيت أن أكون له مبغضة، فقالت لها أم سلمة أقعدي، لا تبرحي حتى يجيئ رسول الله صلى الله عليه وآله، فجلست الحولاء تتحدث مع أم سلمة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله فقال إني لأجد الحولاء عندكم فهل طيبتكم منها بطيب فقالوا لا والله يا نبي الله - صلى الله عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين - بل جاءت سائلة عن حق زوجها، ثم قصت له القصة.
فقال يا حولاء، ما من امرأة ترفع عينها إلى زوجها بالغضب الا كحلت برماد من نار