قلنا: فكان ماذا؟ ومن أين وجب عندكم سقوط ملك المسلم عن ماله بجهله بعينه؟ وبأنه لا يميزه وما الفرق بين هذا وبين العبد يأبق فلا تميزه صورته أبدا والبعير كذلك والفرس كذلك؟ أفترون الملك يسقط عن كل ذلك من أجل أنه لا يميزه أحد أبدا لا صاحبه ولا غيره؟ ولئن كان الناس لا يعرفونه ولا يميزونه فان الله تعالى يعرفه ويميزه لا يضل ربى ولا ينسى بل هو عز وجل عارف به وبتقلبه ومثواه كاتب لصاحبه أجر ما نيل منه وما يتناسل منه في الأبد، وما الفرق بين هذا وبين الأرض تختلط فلا تحاز ولا تميز؟ أترون الملك يسقط عنها بذلك؟ حاش لله من هذا بل الحق اليقين ان كل ذلك باق على ملك صاحبه إلى يوم البعث، ونحن وان حكمنا فيما يئس من معرفة صاحبه بالحكم الظاهر من أنه في جميع مصالح المسلمين أو للفقراء. والمساكين، أو لمن سبق إليه من المؤمنين فإنه لا يسقط بذلك حق صاحبه ولو جاء يوما وثبت أنه حقه لصرفناه إليه وهو لقطة من اللقطات يملكه من قضى له بنص حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي صاحبه ان جاء، ومنع قوم من بيع كل ذلك وقالوا: إنما منعنا من بيعه لمغيبه * قال على: وقد أبطلنا بعون الله تعالى هذا القول وأتينا بالبرهان على وجوب بيع الغائبات، ومنع قوم من ذلك واحتجوا بأنه لا يقدر على تسليمه وهذا لا شئ لان التسليم لا يلزم (1) ولا يوجبه قرآن. ولا سنة. ولا دليل أصلا وإنما اللازم أن لا يحول البائع بين المشترى وبين ما اشترى منه فقط فيكون ان فعل ذلك عاصيا ظالما، ومنع آخرون من ذلك واحتجوا بأنه غرر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر * قال أبو محمد: ليس هذا غررا (2) لأنه بيع شئ قد صح ملك بائعه عليه وهو معلوم الصفة والقدر فعلى ذلك يباع ويملكه المشترى ملكا صحيحا فان وجده فذلك وان لم يجده فقد استعاض الاجر الذي هو خير من الدنيا وما فيها وربحت صفقته، ولو كان هذا غررا لكان بيع الحيوان كله حاضرة وغائبه غررا لا يحل ولا يجوز لأنه لا يدرى مشتريه أيعيش ساعة بعد ابتياعه أم يموت ولا يدرى أيسلم أم يسقم سقما قليلا يحيله أو سقما كثيرا يفسده أو أكثره؟ وليس ما يتوقع في المستأنف غرر الان الاقدار تجرى بما لا يعلم ولا يقدر على رده، ولأنه غيب قال الله تعالى: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب الا الله) وقال تعالى: (وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم) وإنما الغرر ما عقد على جهل بمقداره وصفاته حين العقد، فان قالوا: فلعله ميت حين العقد أوقد تغيرت صفاته قلنا: هو على الحياة التي قد صحت له حتى يوقى موته وعلى ما تيقن من صفاته حتى يصح
(٣٨٩)