قال على: فان احتج من يجيز بالخيار بما قد ذكرناه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا الا بيع الخيار) فلا حجة لهم فيه لان أيوب عن نافع عن ابن عمر قد بين ذلك الخيار ما هو وانه قول أحدهما للآخر: اختر، وبينه أيضا الليث عن نافع عن ابن عمر بمثله، وأوضحه إسماعيل بن جعفر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يكون البيع عن خيار فإن كان البيع عن خيار فقد وجب البيع) فصح ضرورة أن هذا الخيار إنما هو التخيير من أحدهما للآخر فقط * وذكروا أيضا خبر المصراة وسنذكره في هذا الكتاب باسناده إن شاء الله تعالى، وان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الخيار لواجدها ثلاثا فان رضيها أمسكها وان كرهها ردها ورد معها صاعا من تمر * وخبر منقذ إذ أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقول إذا باع أو ابتاع: لا خلابة ثم جعل له الخيار ثلاثا، وقد ذكرناه في كتاب الحجر من ديواننا هذا (1)، وخبر تلقى السلع [الركبان] (2) والنهى عنه وانه صلى الله عليه وسلم جعل للبائع الخيار إذ دخل السوق وبالخيار في رد البيع يوجد فيه العيب * قال أبو محمد: وكل هذا لا حجة لهم في شئ منه، واحتجاجهم به في إباحة بيع الخيار إثم وعار لان خبر المصراة إنما فيه الخيار للمشترى أحب البائع أم كره لا برضى منه أصلا ولا بأن يشترط في حال عقد البيع فكيف يستجيز ذو فهم أن يحتج بهذا الخيار في إباحة بيع يتفق فيه البائع والمشترى على الرضى بشرط خيار لأحدهما أو لكليهما أو لغيرهما؟ * وأما خبر منقذ فكذلك أيضا لأنه إنما هو خيار يجب لمن قال عند التبايع:
لا خلابة بائعا كان أو مشتريا سواء رضى بذلك معامله أو لم يرض لم يشترطه الذي جعل له في نفس العقد، فأي شبه بين هذين الحكمين وبين خيار يتفقان برضاهما على اشتراطه لأحدهما أو لغيرهما وكلهم لا يقول بهذا الخير أصلا؟ * وأما خبر تلقى السلع فكذلك أيضا إنما هو خيار جعل للبائع أحب المشترى أم كره لم يشترطاه في العقد وهو أيضا خيار إلى غير مدة محدودة وكلهم لا يجيز هذا أصلا، فأي عجب يفوق قول قوم يبطلون الأصل ولا يجيزون القول به ويصححون القياس عليه في ما لا يشبهه ويخالفون السنن فيما جاءت فيه ثم يحتجون بها فيما ليس فيها منه أثر ولا دليل ولا معنى؟! فخالفوا الحقائق جملة ونحمد الله تعالى على ما من به من التوفيق (فان قالوا): لما جاز في هذه الأخبار في أحدها الخيار للبائع. وفى الآخر الخيار للمشترى. وفى الثالث الخيار للمرء بائعا كان أو مشتريا وكان في الشفعة الخيار لغير البائع والمشترى بغير أن يشترط في العقد شئ