نهب ماله وخراب ملكه وإهانته فالملك مستريح بيد من صار إليه والأمير يعذب بخرابه وإن كان بدنه سالما من العلل والأمراض الحسية ولكن هو أشد الناس عذابا حتى أنه يتمنى الموت ولا يرى ما رآه وجميع ما ذكرناه إنما أخبرنا الله به لنتفكر ونتذكر ونرجع إليه سبحانه ونسأله أن يجعلنا في معاملته كمن هذه صفته فنلحق بهم وهو قد ضمن الإجابة لمن اضطر في سؤاله فيكون من الفائزين فأي شرف أعظم من شرف شخص قامت به صفة منحه الله إياها أسعده بها وجعل من خلقه على صورته يسأله تعالى أن يلحق بهم في تلك الصفة فقد علمت قدر كبره على خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون فكن يا أخي بما أعلمتك ونبهتك عليه من القليل الذي يعلم ذلك جعلنا الله منهم آمين بعزته ومما يتضمن هذا المنزل السماع الإلهي وهو أول مراتب الكون وبه يقع الختام فأول وجود الكون بالسماع وآخر انتهائه من الحق السماع ويستمر النعيم في أهل النعيم والعذاب في أهل العذاب فأما في ابتداء كون كل مكون فإنما ظهر عن قول كن فأسمعه الله فامتثل فظهر عينه في الوجود وكان عدما فسبحان العالم بحال من قال له كن فكان فأول شئ ناله الممكن مرتبة السماع الإلهي فإن كن صفة قول قال تعالى إنما قولنا والسماع متعلقة القول وأما في الانتهاء في حق الكفار اخسئوا فيها ولا تكلمون فخاطبهم وهم يسمعون وأما في حق أهل الجنة فبعد الرؤية والتجلي الذي هو أعظم النعم عندهم في علمهم فيقول هل بقي لكم شئ فيقولون يا ربنا وأي شئ بقي لنا نجيتنا من النار وأدخلتنا الجنة وملكتنا هذا الملك ورفعت الحجب بيننا وبينك فرأيناك وأي شئ بقي يكون عندنا أعظم مما نلناه فيقول سبحانه رضاي عنكم فلا أسخط عليكم أبدا فأخبرهم بالرضا ودوامه وهم يسمعون قال فذلك أعظم نعيم وجدوه فختم بالسماع كما بدأ ثم استصحبهم السماع دائما ما بين بدايتهم وغاية مراتب نعيمهم فطوبى لمن كانت له أذن واعية لما يورده الحق في خطابه فالعارف المحقق في سماع أبدا إذ لا متكلم عنده إلا الله بكل وجه فمن خاطبه من المخلوقين يجعل العارف ذلك مثل خطاب الرسول عن الحق فيتأهب لقبول ما خاطبه به ذلك الشخص وينظر ما حكمه عند الله الذي قرره شرعا فيأخذه على ذلك الحد قال تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله والمتكلم به إنما كان رسول الله ص فليس أحد من خلق الله يجوز أن يخبر عن نفسه ولا عن غيره وإنما إخبار الجميع عن الله فإنه سبحانه هو الذي يخلق فيهم بكن ما يخبرون به فالكل كلماته فليس للعبد على الحقيقة إلا السماع وكلام المخلوق سماع فلا يرمي العارف ولا يهمل شيئا من كلام المخلوقين وينزله منزلته خبيثا ومنكرا وزورا كان ذلك القول في حكم الشرع أو طيبا ومعروفا وحقا فالعارف يقبله وينزله في المنزلة التي عينها الله على لسان الشرع والحكمة لذلك القول ومن علوم هذا المنزل الغمام الذي يقع الإتيان فيه في تجلى القهر والرحمة وهو حين تشقق السماء بالغمام أي بسبب الغمام أي لتكون غماما فتفتح أبوابا كلها فتصير غما ما وقد كان الملائكة عمارها وهي سماء فيكونون فيها وهي غمام وفيها يأتون يوم القيامة إلى الحشر التقديري والملائكة في ظلل من الغمام والظلل أبوابها يقول الله في ذلك وفتحت السماء فكانت أبوابا وقال ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا وهو إتيانهم في ذلك الغمام لإتيان الله للقضاء والفصل بين عباده يوم القيامة فالعارف إذا شقت سماؤه بالغمام وتنزلت قواه في ذلك الغمام وأتى الله للفصل والقضاء في وجوده في دار دنياه فقد قامت قيامته واستعجل حسابه فيأتي يوم القيامة آمنا لا خوف عليه ولا يحزن لا في الحال ولا في المستقبل ولهذا أتى سبحانه بفعل الحال في قوله ولا هم يحزنون فإن هذا الفعل يرفع الحزن في الحال والاستقبال بخلاف الفعل الماضي والمخلص للاستقبال بالسين أو سوف واعلم أن الأرض في كل نفس لها ثلاثة أحوال قبول الولد والمخاض والولادة ما لم تقم القيامة والإنسان من حيث طبيعته مثل الأرض فينبغي له أن يعرف في كل نفس ما يلقي إليه فيه ربه وما يخرج منه إلى ربه وما هو فيه مما ألقى فيه ولم يخرج منه مع تهيئة للخروج فإنه مأمور بمراقبة أحواله مع الله في هذه الثلاث المراتب والأحوال وإلقاء الله إليه تارة بالوسائط وتارة بترك الوسائط والوسطة تارة تكون محمودة وتارة مذمومة وتارة لا محمودة ولا مذمومة وإن كانت تؤدي هذه الحالة إلى الندم والغبن فالمحقق يسمع ويأخذ ويعرف ممن يسمع وممن يأخذ وما يلد ومن يقبل ولده إذا ولد ومن يربيه هل يربيه ربه أو غير ربه كما ورد في الخبر الصحيح أن الصدقة وهي مما يلدها العبد
(٤)