في شئ معين إنما هو بجعل جاعل وهو الميزان الإلهي فلما نازعت الطبيعة بميزانها الميزان الإلهي الروحاني ونازعها الميزان الروحاني الإلهي وهو الأقوى وله الحكم وما وقع الخصام إلا من الطبيعة لأنها ما رضيت بذلك الميزان ولا بالوزن فارتفعت إلى الله تطلب منه أن يحكم بينها وبين الميزان الروحاني ويحكم بينها وبين الروح المتوجه عليها بالنكاح الروحاني النوري لظهور الأجسام الطبيعية والأرواح الجزئية الإنسانية وغير الإنسانية إذ كان كل جسم في العالم مقيدا بصورة روح إلهي يلازم تلك الصورة به تكون مسبحة لله فمن الأرواح ما تكون مدبرة لتلك الصورة لكون الصورة تقبل تدبير الأرواح وهي كل صورة تتصف بالحياة الظاهرة والموت فإن لم تتصف بالحياة الظاهرة والموت فروحها روح تسبيح لا روح تدبير فإذا ظهرت صورة طبيعية تقبل التدبير وظهرت لها نفس جزئية مدبرة لها كانت الصورة بمنزلة الأنثى والروح المدبر لها بمنزلة الذكر فكانت الصورة له أهلا وكان الروح لتلك الصورة بعلا وهذه الأرواح الجزئية متفاضلة بالعلم بالأشياء فمنهم من له علم بأشياء كثيرة ومنهم من لا يعلم إلا القليل ولا أعلم بالله من أرواح الصور التي لا حظ لها في التدبير لكون الصورة لا تقبل ذلك وهي أرواح الجماد ودونهم في رتبة العلم بالله أرواح النبات ودونهم في العلم بالله أرواح الحيوان وكل واحد من هؤلاء الأصناف مفطور على العلم بالله والمعرفة به ولهذا ما لهم هم إلا التسبيح بحمده تعالى ودون هؤلاء في العلم بالله أرواح الإنس وأما الملائكة فهم والجمادات مفطورون على العلم بالله لا عقول لهم ولا شهوة والحيوان مفطور على العلم بالله وعلى الشهوة والإنس والجن مفطورون على الشهوة والمعارف من حيث صورهم لا من حيث أرواحهم وجعل الله لهم العقل ليردوا به الشهوة إلى الميزان الشرعي ويدفع عنهم به منازعة الشهوة في غير المحل المشروع لها لم يوجد الله لهم العقل لاقتناء العلوم والذي أعطاهم الله لاقتناء العلوم إنما هي القوة المفكرة فلذلك لم تفطر أرواحهم على المعارف كما فطرت أرواح الملائكة وما عدا الثقلين ولما تفاضلت مراتب الإنس في العلم بالأشياء أراد بعض الأرواح أن يلحق حكم الصورة التي هو مدبر لها بحكم الطبيعة التي وجدت عنها تلك الصورة وتنزلها منزلتها في الحكم وهي لا تنزل منزلتها أبدا فقال له المعلم هذا الذي رمته محال فإن الصورة لا تفعل فعل الطبيعة فإنها منفعلة عنها وأين رتبة الفاعل من المنفعل ألا ترى النفس الكلية التي هي أهل للعقل الأول ولما زوج الله بينهما لظهور العالم كان أول مولود ظهر عن النفس الكلية الطبيعية فلم تقو الطبيعة أن تفعل فعل النفس الكلية في الأشياء لأن الجزء ما له حكم الكل والكل له حكم الجزء لأنه بما يحمله من الأجزاء كان كلا فلما عجز هذا الروح الجاهل عن إلحاق الصورة بالطبيعة التي هي أم له قال لعل ذلك لعجزي وقصوري عن إدراك العلم في ذلك فيعود في طلب ذلك من الله إلى الله فطلب من الله أن ينفعل عن الصورة ما ينفعل عن الطبيعة فوجد القوابل التي تؤثر فيها الصورة غير قابلة لما تقبله الصور التي لها قبول أثر الطبيعة والحق سبحانه لا يعطي الأشياء كما تقدم إلا بحسب استعداد المعطي إياه إذ لا يقبل ما لا يعطيه استعداده فلما تبين لهذا الروح خطؤه من صوابه وعلم أنه نفخ في غير ضرم طلب الوقوف مع صورته بحسب ما يعطيه استعدادها فقبل الوصول إلى إبراز ما يلقي منه إلى الصور لإظهار عين ما من أعيان الممكنات المعنوية والحسية أو الخيالية ظهر له في فتوح المكاشفة بالحق لا في فتوح الحلاوة ولا في فتوح العبارة ثلاث مراتب مرتبة الحرية وقد تقدم بابها وهي التي تخرجه عن رق الأكوان لأنه كان قد استرقه هذا الطلب الذي كان عن جهله بالأمور وكان الله أعلم بذلك أنه لا يقع ولا علم له بما في علم الله ولا بما هو الأمر عليه فإن اتصف بهذا المقام وظهر بهذه الحال مكنه الله من مراده ووهبه قوة الإيجاد وإن عجز عن الاتصاف بهذا المقام فهو بحاله أعجز فإن الحال موهبة إلهية والمقام مكتسب فعدل عند ذلك إلى المرتبة الثانية وهي على الترتيب في الحكم والشهود فقام له الحق في التجلي الصمداني فإن قدر على النظر إليه فيه وثبت لتجليه ولم يك جبليا فيصير دكا ولا موسويا فيصعق كان له ما طلب من الله من الانفعال عن صورته ما يعطيه استعدادها إذا أمكنه الله من الحكم فيها فإن كان موسويا أو جبليا لم يثبت لذلك التجلي المفني من يطلب باستعداده الفناء والمهلك من يطلب باستعداده الهلاك قامت له مرتبة إمساك الحياة على العالم القابل للموت فوجده في رتب على عدد درجات التجلي الصمداني فإنه موت أو إمساك حياة فإن اعتنى الله به وأعطاه القوة على ذلك تصرف في صورته كيف شاء وإن لم يعط
(٩٩)