يوفق لأدائها كان ظالما لغيره ولنفسه وجهل الإنسان ذلك من نفسه ومن قدرها وإن كان عالما بقدرها فما هو عالم بما في علم الله فيه من التوفيق إلى أدائها بل هو جهول كما شهد الله فيه فكان قبول الإنسان الأمانة اختيارا لا جبرا فخان فيها لأنه وكل إلى نفسه وكان حمل الأرض والسماء لها جبرا لا اختيارا فوفقهما الله إلى أدائها إلى أهلها وعصما من الخيانة وخذل الإنسان قال رسول الله ص من طلب الإمارة وكل إليها ومن أعطيها من غير طلب بعث الله أو وكل الله به ملكا يسدده ومن شرف الأرض والسماء والجبال على الإنسان قول الله فيهم لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله أترى ذلك لجهله بما نزل عليه لا والله إلا بقوة علمه بذلك وقدره ألا تراه عز وجل يقول لنا في هذه الآية كذلك يضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتفكرون فإنهم إذا تفكروا في ذلك علموا شرف غيرهم عليهم فإن شهادة الله بمقدار المشهود له بالتعظيم كالواقع منه لأنه قول حق وعلموا إذا تفكروا جهلهم بقدر القرآن حيث لم تظهر منهم هذه الصفة التي شهد الله بها للجبل خرج أبو نعيم الحافظ في دلائل النبوة أن الله بعث جبريل ع إلى نبيه ص بشجرة فيها كوكرى طائر فقعد جبريل في الواحد وقعد رسول الله ص في الآخر وصعدت بهما الشجرة فلما قربا من السماء تدلى لهما أمر شبه الرفرف درا وياقوتا فأما جبريل فغشي عليه حين رآه وأما النبي ص فما غشى عليه ثم قال ص فعلمت فضل جبريل علي في العلم لأنه علم ما هو ذلك فغشي عليه وما علمت فاعترف ص فلو علم الإنسان قدر القرآن وما حمله لما كانت حالته هكذا فانظر إلى ما كان يقاسي ص في باطنه من حمله القرآن لمعرفته به وما أبقى الله عليه جسده وعصم ظاهره من أن يتصدع كالجبل لو أنزل عليه القرآن إلا لكون الله تعالى قد قضى بتبليغه إلينا على لسانه فلا بد أن يبقى صورته الظاهرة على حالها حتى نأخذه منه وكذلك بقاء صورة جبريل النازل به وإنما الكلام فينا ومن شرف من ذكرناه على الإنسان وشرف الإنسان إذا مات وصار مثل الأرض في الجمادية على حاله حيا في الإنسانية قول الله تعالى ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى يعني لكان هذا القرآن فحذف الجواب لدلالة الكلام عليه ومعنى ذلك لو أنزلناه على من ذكرناه لسارت الجبال وتقطعت الأرض وأجاب الميت وما ظهر شئ من ذلك فينا وقد كلمنا به ومن شرف الجن علينا أن النبي ص حين تلا على أصحابه سورة الرحمن وهم يسمعون فقال لهم لقد تلوتها على إخوانكم من الجن فكانوا أحسن استماعا لها منكم وذكر الحديث وفيه فما قلت لهم فبأي آلاء ربكما تكذبان إلا قالوا ولا بشئ من آلائك ربنا نكذب فانظر ما أعلمهم بحقائق ما خوطبوا كيف أجابوا بنفس ما خوطبوا به حتى بالاسم الرب ولم يقولوا يا إلهنا ولا غير ذلك ولم يقولوا ولا بشئ منها وإنما قالوا من آلائك كما قيل لهم لاحتمال أن يكون الضمير يعود على نعمة مخصوصة في تلك الآية وهم يريدون جميع الآلاء حتى يعم التصديق فيلحق الإنسان بهؤلاء كلهم من حيث طبيعته لا من حيث لطيفته بما هي مدبرة لهذا الجسم ومتولدة عنه فيدخل عليها الخلل من نشأتها فجسده كله من حيث طبيعته طائع لله مشفق وما من جارحة منه إذا أرسلها العبد جبرا في مخالفة أمر إلهي إلا وهي تناديه لا نفعل لا ترسلني فيما حرم عليك إرسالي إني شاهدة عليك لا تتبع شهوتك وتبرأ إلى الله من فعله بها وكل قوة وجارحة فيه بهذه المثابة وهم مجبورون تحت قهر النفس المدبرة لهم وتسخيرها فينجيهم الله تعالى دونه من عذاب يوم أليم إذا آخذه الله يوم القيامة وجعله في النار فأما المؤمنون الذين يخرجون إلى الجنة بعد هذا فيميتهم الله فيها إماتة كرامة للجوارح حيث كانت مجبورة فيما قادها إلى فعله فلا تحس بالألم وتعذب النفس وحدها في تلك الموتة كما يعذب النائم فيما يراه في نومه وجسده في سريره وفرشه على أحسن الحالات وأما أهل النار الذين قيل فيهم لا يموتون فيها ولا يحيون فإن جوارحهم أيضا بهذه المثابة ألا تراها تشهد عليهم يوم القيامة فأنفسهم لا تموت في النار لتذوق العذاب وأجسامهم لا تحيا في النار حتى لا تذوق العذاب فعذابهم نفسي في صورة حسية من تبديل الجلود وما وصف الله من عذابهم كل ذلك تقاسيه أنفسهم فإنه قد زالت الحياة من جوارحهم فهم ينضجون كما ينضج اللحم في القدر أتراه يحس بذلك بل له نعيم به إذا كان ثم حياة يجعل الله في ذلك نعيما وإلا ما تحمله النفوس كشخص يرى بعينه
(٣)