حتى إذا ألقت إلى علومها * بدقائق الأدوار والأكوار من كل علم ما له متعلق * إلا بنعت الواحد القهار عادت إلى أفلاكها أملاكها * بألوكة من حضرة الأبرار قد زانها حسن التلقي فانثنت * بالصورتين حميدة الآثار وتيقنت أن المعارف إنما * وهبت لأهل العلم بالأسرار وقد اشتهت طول المقام بساحتي * لخروجها فيها عن الأطوار اعلم أيدك الله أيها الولي الحميم أن الله تعالى لما خلق الخلق قدرهم منازل لا يتعدونها فخلق الملائكة ملائكة حين خلقهم وخلق الرسل رسلا والأنبياء أنبياء والأولياء أولياء والمؤمنين مؤمنين والمنافقين والكافرين كافرين كل ذلك مميز عنده سبحانه معين معلوم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم ولا يبدل أحد بأحد فليس لمخلوق كسب ولا تعمل في تحصيل مقام لم يخلق عليه بل قد وقع الفراغ من ذلك وذلك تقدير العزيز العليم فمنازل كل موجود وكل صنف لا يتعداها ولا يجري أحد في غير مجراه قال تعالى في شأن الكواكب كل في فلك يسبحون وهكذا كل موجود له طريق تخصه لا يسلك عليها أحد غيره روحا وطبعا فلا يجتمع اثنان في مزاج واحد أبدا ولا يجتمع اثنان في منزلة واحدة أبدا فلا يكون الإنسان ملكا أبدا ولا الملك إنسانا ولا الرسول غيره أبدا ولكل مدرجة عن الله تعالى لكل صنف بل لأشخاص كل نوع خواص تخصها لا ينالها إلا السالك عليها ولو جاز أن يسلك غيره على تلك المدرجة لنال ما فيها وإن جمع الجنس منزل واحد والنوع منزل واحد وهكذا كل نوع من الأنواع التي تحت كل جنس من الأجناس وكذلك كل جنس من الأجناس إلى جنس الأجناس كذلك إلى النوع الأخير كما تجمع الرسالة الرسل ويفضل بعضهم بعضا والأنبياء النبوة ويفضل بعضهم بعضا هذا وإن كانت الكواكب تقطع في فلك واحد وهو فلك البروج فلكل واحد منها فلك يخصه يسبح فيه لا يشاركه فيه غيره فهكذا الأمر في الجميع أعني في المخلوقات وإن جمعهم مقام فإنه يفرقهم مقام فالفلك الكبير الذي يجمع العالم كله فلك الأسماء الإلهية فيه يقطع كل شخص في العالم فهي منازله المقدرة لا يخرج عنها بوجه من الوجوه ولكن يسبح فيه بفلكه الخاص به الذي أوجده الحق فلا يذوق غيره ذوقه من فلك الأسماء ولو ذاقه لكان هو ولا يكون هو أبدا فلا يجتمع اثنين منزل أبد الاتساع فلك الأسماء الإلهية فكل من ادعى من أهل الطريق أنه خرج عن الأسماء الإلهية فما عنده علم بما هي الأسماء ولا يعلم ما معنى الأسماء وكيف يخرج عن إنسانيته الإنسان أو عن ملكيته الملك ولو صح هذا انقلبت الحقائق وخرج الإله عن كونه إلها وصار الحق خلقا والخلق حقا وما وثق أحد بعلم وصار الواجب ممكنا ومحالا والمحال واجبا وانفسد النظام فلا سبيل إلى قلب الحقائق وإنما يرى الناظر الأمور العرضية تعرض للشخص الواحد وتنتقل عليه الحالات ويتقلب فيها فيتخيل أنه قد خرج عنها وكيف يخرج عنها وهي تصرفه وكل حال ما هو عين الآخر فطرأ التلبيس من جهله بالصفة المميزة لكل حال عن صاحبه تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض وإن سبح الكل في فلك الرسالة فأين قطع الهلال من قطع النسر وذلك أن في الأمور اتساعا وضيقا ونشرا وطيا الحس حقيقة واحدة يقطع في فلكها الحواس فأين اللمس من البصر اللمس لا يدرك الملموس كونه خشنا أو لينا إلا بغاية من القرب فإذا لمسه عرفه والبصر عند ما تفتح عينك وترسله في المبصرات علوا كان زمان فتحه زمان إدراكه فلك البروج فأين مسافة ما يقطعه البصر من مسافة ما يقطعه اللمس لو أرادت حاسة اللمس تدرك ملوسة فلك البروج أو خشونته لو كان خشنا متى كانت تصل إلى ذلك ومع هذا فقد جمعهما الحس وكذلك السمع والشم والطعم فانظر ما بين هذه الحقائق من التباين وطبقاتها من التفاضل وأين اتساع أفلاكها من اتساع أفلاك القوي الروحانية في الإنسان ذلك تقدير العزيز العليم وإذا علمت هذا علمت أن النبوة اختصاص إلهي وأن الرسالة كذلك والولاية والايمان والكفر وجميع الأحوال وأن الكسب اختصاص فإن الملائكة ما لها كسب بل هي مخلوقة في مقاماتها لا تتعداها فلا تكتسب مقاما وإن زادت علوما ولكن ليس عن فكر واستدلال لأن نشأتهم لا تعطي ذلك مثل ما تعطيه نشأة الإنسان والقوي
(٥٣)