فالباطل والكفر والجهل مآله إلى اضمحلال وزوال لأنه حكم لا عين له في الوجود فهو عدم له حكم ظاهر وصورة معلومة فيطلب ذلك الحكم وتلك الصورة أمرا وجوديا يستندان إليه فلا يجدانه فيضمحلان وينعدمان فلهذا يكون المآل إلى السعادة والايمان والحق والعلم يستندون إلى أمر وجودي في العين وهو الله عز وجل فيثبت حكمهم في العين أي في عين المحكوم عليه بهم لأن الذي يحفظ وجود هذا الحكم هو موجود بل هو عين الوجود وهو الله المسمى بهذه الأسماء المنعوت بهذه النعوت فهو الحق العالم المؤمن فيستند الايمان للمؤمن والعلم إلى العالم والحق إلى الحق والله تعالى ما تسمى بالباطل لوجوده ولا بالجاهل والكافر تعالى الله عن هذه الأسماء علوا كبيرا فنزلت الكتب الإلهية والصحف على قلوب المؤمنين الخلفاء والرعايا والورثة فسرت منفعتها في كل قلب كان محلا لكل طيب وأما الأمور العوارض التي ليست منزلة عن أمر إلهي مشروع فهي أهواء عرضت للنواب والرعايا تسمى جورا والعوارض لا ثبات لها فيزول حكمها بزوالها إذا زال والعين الذي كان قبلها واتصف بها موجود ولا بد له من حال يتصف به وقد زال عنه الشقاء لزوال موجبة إذ كان الموجب عارضا عرض فلا بد من نقيضه وهو المسمى سعادة ومن دخل النار منهم فما دخلها إلا لتنفي عنه خبثه وتبقي طيبه فإذا ذهب الخبث وبقي الطيب فذلك المعبر عنه بالسعيد الذي كان سعده مستهلكا في خبثه هكذا هو الأمر في نفسه ولا يغلم قدر ما قررناه إلا ذو عينين لا ذو عين واحدة ومن وقف بين النجدين فرأى غاية كل طريق فسلك طريق سعادته التي لا يتقدمها شقاء فإنها طريق سهلة بيضاء مثلي نقية لا شوب فيها ولا عوجا ولا أمتا والطريق الأخرى وإن كانت غايتها سعادة ولكن في الطريق مفاوز ومهالك وسباع عادية وحيات مضرة فلا يصل مخلوق إلى غايتها حتى يقاسي هذه الأهوال والطريقان متجاوران ينبعثان من أصل واحد وينتهيان إلى أصل واحد ويفترقان ما بين الأصلين ما بين البداية والغاية وصورتهما في الهامش كما تراه فيشاهد صاحب المحجة البيضاء ما في طريق صاحبه لأنه بصير وصاحبه أعمى فليس يرى الأعمى طريق البصير فيطرأ على البصير من مشاهدة تلك الآفات التي في طريق الأعمى مخاوف لما يرى من الأهوال ويتوهم في نفسه لو كان فيها ما كان يقاسيه ويرى الأعمى ليس عنده خبر من هذا كله لما هو عليه من العمي فلا يبصر شيئا فيسير ملتذا بسيره حتى يتردى في حفرة أو تلدغه حية من تلك الحيات فحينئذ يحس بالألم ويستغيث بصاحبه فمن الأصحاب من يغيثه ومن الأصحاب من يكون قد سبقه فلا يسمعه فيبقى مضطرا ما شاء الله فيرحمه الله فيسعده والحيوان بما هو حيوان يحس بالألم واللذة وبما هو عاقل وهو الإنسان يعلم السبب المؤلم والسبب الملذ ذوقا من العادة حتى إن جماعة غلطت في ذلك فجعلوا الألم للسبب المؤلم ذاتيا وليس كذلك وإنما الذي يتألم به الإنسان أو يلتذ إنما هو قيام الألم به أو اللذة به عقلا لا سببها هذا في الآلام واللذات العادية وثم أسباب أخر لا يستقل العقل بإدراكها فيخبره الله بها على لسان رسوله بالوحي فيعلمها فيأتي من ذلك ما أمره الله به أن يأتيه ويجتنب من ذلك ما أمره الله به أن يجتنبه وقد علم الألم واللذة عقلا فيتذكرهما عند علمه بهذه الأسباب الشرعية الموجبة لهما فمن أطاع أطاع على بصيرة من أمره ومن عصى وعلم أنه عاص عصى على بصيرة من المعصية وليس هو على بصيرة من المؤاخذة عليها كما هو على بصيرة في الطاعة من الجزاء عليها فما أجرأه على المعصية بالقدر السابق إلا كونه على غير بصيرة من المؤاخذة ولا ينبغي للمؤمن بل لا يصح أن يكون على بصيرة في المؤاخذة بالمعصية فإن الرحمة الإلهية والمغفرة ما هو الانتقام والأخذ بأولى من المغفرة إلا ما عين الله من صفة خاصة يستحق من مات وهي به قائمة المؤاخذة ولا بد وليس إلا الشرك وما عدا الشرك فإن الله أدخله في المشيئة فلا يصح أن يكون أحد على بصيرة في العقاب فهذا هو الذي أجرأ النفوس على ارتكاب المحارم والدخول في المأثم إلا من عصم الله بخوف أو رجاء أو حياء أو عصمة في علم الله به خارجة عن هذه الثلاثة ولا خامس لهذه الأربعة المانعة من وقوع المخالفة والتعرض للعقوبة والممكن قد عهد الله على قبوله لكل ممكن بذاته فمن وفي بهذا العهد مع الله فإنه يسعده بلا شك ابتداء فإن نقض عهد الله في ذلك وصير الممكن محالا أو واجبا فقد خرج عما عاهد عليه الله وعرض بذاته لما تخيل أنه لا يصيبه ومثل هذا هو الذي رد دعوة الحق التي جاء بها الرسول من عند الله كالبراهمة ومن قال بقولهم واعلم أنه لما كان الإنسان الكامل عمد السماء الذي يمسك الله بوجوده السماء أن تقع على الأرض فإذا زال الإنسان
(٤١٨)