وهم الذين تغبطهم الرسل في ذلك لما هم فيه من الراحة لأن الرسل ع يخافون يوم الفزع الأكبر على أممهم وأتباعهم لا على أنفسهم ومنهم من يمتد أجله إلى دخول الجنة من العرض ومنهم من يمتد أجله في الآلام إلى أن يشفع فيه بالخروج من النار إلى الجنة ومنهم من يمتد أجله في الآلام إلى أن يخرجه الله بنفسه لا بشفاعة شافع وهم الموحدون بطريق النظر الذين ما آمنوا ولا كفروا ولا عملوا خير القول الشارع قط فإنهم لم يكونوا مؤمنين ولكنهم وحدوا الله جل جلاله وماتوا على ذلك ومن كان له علم بالله منهم ومات عليه جنى ثمرة علمه فإن قدحت له فيه شبهة حيرته أو صرفته عن اعتقاد ما كان يظن أنه علم وهو علم في نفس الأمر ثم بدا له ما حيره فيه أو صرفه عنه فعلم يوم القيامة أن ذلك حق في نفس الأمر وهو ممن أخرجه الله إلى الجنة من النار عاد عليه ثمرة ذلك العلم ونال درجته ومنهم من يمتد أجله في الآلام ممن ليس بخارج من النار وهو من أهلها القاطنين فيها ومدته معلومة عندنا ثم تعمه رحمة الله وهو في جهنم فيجعل الله له فيها نعيما بحيث إنه يتألم بنظره إلى الجنة كما يتألم أهل الجنة بنظرهم إلى النار فهؤلاء إن كان لهم علم بوجود الله وقد دخلهم شبهة في توحيد الله أو في علم مما يتعلق بجناب الله حيرته أو صرفته إلى نقيض ما كان يعتقده فإنه يوم القيامة إذا تبين له أن ذلك كان علما في نفس الأمر لا ينفعه ذلك التبين كما لم ينفع الايمان في الدنيا عند رؤية البأس فذلك العلم هو الذي يخلع على المؤمن الذي لم يكن له علم بإله له من الموحدين المؤمنين ويؤخذ جهل ذلك المؤمن الموحد ويلقي على هذا الذي هو من أهل النار فيتنعم في النار بذلك الجهل كما كان يتنعم به المؤمن الجاهل في الدنيا ويتنعم المؤمن بذلك العلم الذي خلع عليه الذي كان لهذا العالم بوجود الله لا بتوحيده وإنه لما وحده قدحت له شبهة في توحيده وعلمه بالله حيرته وصرفته وهذا آخر المدد لأصحاب الآلام في النار وبعد انقضاء هذا الأجل فنعيم بكل وجه أينما تولى ولا فرق بينه وبين عمار جهنم من الخزنة والحيوانات فهي تلدغه لما للحية والعقرب في ذلك اللدغ من النعيم والراحة والملدوغ يجد لذلك اللدغ لذة واسترقادا في الأعضاء وخدرا في الجوارح يلتذ بذلك التذاذا هكذا دائما أبدا فإن الرحمة سبقت الغضب فما دام الحق منعوتا بالغضب فالآلام باقية على أهل جهنم الذين هم أهلها فإذا زال الغضب الإلهي كما قدمنا وامتلأ به النار ارتفعت الآلام وانتشر ذلك الغضب فيما في النار من الحيوانات المضرة فهي تقصد راحتها بما يكون منها في حق أهل النار ويجد أهل النار من اللذة ما تجده تلك الحية من الانتقام لله لأجل ذلك الغضب الإلهي الذي في النار وكذلك النار ولا تعلم النار ولا من فيها إن أهلها يجدون لذة لذلك لأنهم لا يعلمون متى أعقبتهم الراحة وحكمت فيهم الرحمة وهذا الصراط الذي تكلمنا فيه هو الذي يقول فيه أهل الله إن الطرق إلى الله على عدد أنفاس الخلائق وكل نفس إنما يخرج من القلب بما هو عليه القلب من الاعتقاد في الله فالاعتقاد العام وجوده فمن جعله الدهر فوصوله إلى الله من اسمه الدهر فإن الله هو الجامع للأسماء المتقابلة وغير المتقابلة وقد قدمنا إنه سبحانه تسمى بكل اسم يفتقر إليه في قوله عز وجل في الكتاب العزيز يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد وإن أنكر ذلك فما أنكره الله ولا الحال وكذلك من اعتقد أنه الطبيعة فإنه يتجلى له في الطبيعة ومن اعتقد أنه كذا كان ما كان فإنه يتجلى له في صورة اعتقاده وتجري الأحكام كما ذكرنا من غير مزيد فافهم وأما صراط العزة وهو قوله تعالى إلى صراط العزيز الحميد فاعلم أن هذا صراط التنزيه فلا يناله ذوقا إلا من نزه نفسه أن يكون ربا أو سيدا من وجه ما أو من كل وجه وهذا عزيز فإن الإنسان يغفل ويسهو وينسى ويقول أنا ويرى لنفسه مرتبة سيادة في وقت غفلته على غيره من العباد فإذ ولا بد من هذا فليجتهد أن يكون عند الموت عبدا محضا ليس فيه شئ من السيادة على أحد من المخلوقين ويرى نفسه فقيرة إلى كل شئ من العالم من حيث إنه عين الحق من خلف حجاب الاسم الذي قال الله فيه لمن لا علم له بالأمر قل سموهم ولما كان الإنسان فقيرا بالذات احتجب الله له بالأسباب وجعل نظر هذا العبد إليها وهو من ورائها فأثبتها عينا ونفاها حكما مثل قوله تعالى لمحمد ص وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ثم أعقب هذه الآية بقوله وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا فجعل ذلك بلاء أي اختبارا وهذا الصراط العزيز الذي ليس لمخلوق قدم في العلم به فإنه صراط الله الذي عليه ينزل إلى خلقنا وعليه يكون معنا أينما كنا وعليه نزل من العرش إلى السماء الدنيا وإلى الأرض وهو قوله
(٤١١)