متماثلة الأجزاء فلو لا إضاءة الكواكب ما عرف تقدمها ولا تأخرها وهي التي يدركها البصر ويدرك سيرها ورجوعها فجعل أصحاب علم الهيئة للأفلاك ترتيبا جائزا ممكنا في حكم العقل أعطاهم علم ذلك رصد الكواكب وسيرها وتقدمها وتأخرها وبطئها وسرعتها وأضافوا ذلك إلى الأفلاك الدائرة بها وجعلوا الكواكب في السماوات كالشامات على سطح جسم الإنسان أو كالبرص لبياضها وكل ما قالوه يعطي ميزان حركاتها وإن الله تعالى لو فعل ذلك كما ذكروه لكان السير السير بعينه ولذلك يصيبون في علم الكسوفات ودخول الأفلاك بعضها على بعض وكذلك الطرق يدخل بعضها على بعض في المحل الذي يحدث فيه سير السالكين فهم مصيبون في الأوزان مخطئون في إن الأمر كما رتبوه وأن السماوات كالأكروان الأرض في جوف هذه الأكر وجعل الله لهذه الكواكب ولبعضها وقوفا معلوما مقدرا في أزمان مخصوصة لم يخرج الله العادة فيها ليعلم صاحب الرصد بعض ما أوحى الله من أمره في السماء وذلك كله ترتيب وضعي يجوز في الإمكان خلافه مع هذه الأوزان وليس الأمر في ذلك إلا على ما ذكرناه شهودا وكشفا ثم إن الله تعالى يحدث عند هذه الحركات الكوكبية في هذه الطرق السماوية في عالم الأركان وفي المولدات أمورا مما أوحى في أمر السماء وجعل ذلك عادة مستمرة ابتلاء من الله ابتلى بها عباده فمن الناس من جعل ذلك الأثر عند هذا السير لله تعالى ومن الناس من جعل ذلك لحركة الكوكب وشعاعه لما رأى أن عالم الأركان مطارح شعاعات الكواكب فأما الذين آمنوا بالله فزادتهم إيمانا بالله وأما الذين آمنوا بالباطل فزادتهم إيمانا بالباطل وكفروا بالله وهم الخاسرون الذين ما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ثم إن الله تعالى وكل ملائكة بالأرحام عند مساقط النطف فيقلبون النطف من حال إلى حال كما قد شرع لهم الله وقدر ذلك التنقل بالأشهر وهو قوله تعالى وما تغيض الأرحام أي ما تنقص عن العدد المعتاد وما تزداد على العدد المعتاد وكل شئ عنده بمقدار فهو سبحانه يعلم شخصية كل شخص وشخصية فعله وحركاته وسكونه وربط ذلك بالحركات الكوكبية العلوية فنسب من نسب الآثار لها وجعله الله عندها لا لها فلا يعلم ما في الأرحام ولا ما تخلق مما لم يتخلق من النطف على قدر معلوم إلا الله تعالى ومن أعلمه الله تعالى من الملائكة الموكلة بالأرحام ولهذا تكون الحركة الكوكبية العلوية واحدة ويحدث عندها في الأركان والمولدات أمور مختلفة لا تنحصر ولا يبلغها نظر في جزئيات أشخاص العالم العنصري لأن الله قد وضعه على أمزجة مختلفة وإن كان عن أصل واحد كما نعلم أن الله خلق الناس من نفس واحدة وهو آدم وجعلنا مختلفين في عقولنا متفاوتين في نظرنا والأصل واحد ومنا الطيب والخبيث والأبيض والأسود وما بينهما والواسع الخلق والضيق الخلق الحرج فالأصل فرد والفروع كثيرة فالحق أصل والكيان فروع وما خلق الله العالم الخارج عن الإنسان إلا ضرب مثال للإنسان ليعلم أن كل ما ظهر في العالم هو فيه والإنسان هو العين المقصودة فهو مجموع الحكم ومن أجله خلقت الجنة والنار والدنيا والآخرة والأحوال كلها والكيفيات وفيه ظهر مجموع الأسماء الإلهية وآثارها فهو المنعم والمعذب والمرحوم والمعاقب ثم جعل له أن يعذب وينعم ويرحم ويعاقب وهو المكلف المختار وهو المجبور في اختياره وله يتجلى الحق بالحكم والقضاء والفصل وعليه مدار العالم كله ومن أجله كانت القيامة وبه أخذ الجان وله سخر ما في السماوات وما في الأرض ففي حاجته يتحرك العالم كله علوا وسفلا دنيا وآخرة وجعل نوع هذا الإنسان متفاوت الدرجات فسخر بعضه لبعضه وسخره لبعض العالم ليعود نفع ذلك عليه فما سخر إلا في حق نفسه وانتفع ذلك الآخر بالعرض وما خص أحدا من خلق الله بالخلافة إلا هذا النوع الإنساني وملكه أزمة المنع والعطاء فالسعداء خلفاء ونواب ومن دون السعداء فنواب لا خلفاء ينوبون عن أسماء الله في ظهور حكم آثارها في العالم على أيديهم فهم خلفاء في الباطن نواب في الظاهر فالنائب هو الظاهر بالليل لأنه نائب لا خليفة إلهي بوضع شرعي ومستتر بالنهار فيعلم من حكمة تغير الحكم المشروع أن الشرع الإرادي في جوره مستور ولما كان الحكام في الخلق خلفاء ونوابا كما قررناه بين الله بما شرعه الحق من الباطل وما ينفع مما يضر من الأفعال الظاهرة والباطنة وقسم العمل بين الجوارح والقلب فجعل الله القلوب محلا للحق والباطل والايمان والكفر والعلم والجهل
(٤١٧)