وهو الله في السماوات وفي الأرض وعليه يقرب من عبده أضعاف ما يتقرب إليه عبده إذا سعى إليه بالطريق التي شرع له فهو يهرول إليه إذا رآه مقبلا ليستقبله تهمما بعبده وإكراما له ولكن على صراط العزة وهو صراط نزول لا عروج لمخلوق فيه ولو كان لمخلوق فيه سلوك ما كان عزيزا وما نزل إلينا إلا بنا فالصفة لنا لا له فنحن عين ذلك الصراط ولذلك نعته بالحميد أي بالحامد المحمود لأن فعيل إذا ورد يطلب اسم الفاعل والمفعول فأما إن يعطي الأمرين معا مثل هذا وإما أن يعطي الأمر الواحد لقرينة حال وقد أثنى على نفسه فهو الحامد المحمود وأعظم ثناء أثنى به على نفسه عندنا كونه خلق آدم على صورته وسماه بأمهات الأسماء التي يدخل كل اسم تحت إحاطتها ولذلك قال ص أنت كما أثنيت على نفسك فأضاف النفس الكاملة إليه إضافة ملك وتشريف لما قال من عرف نفسه عرف ربه فكل ثناء أثنى الله به على الإنسان الكامل الذي هو نفسه لكونه أوجده على صورته كان ذلك الثناء عين الثناء على الله بشهادة رسول الله ص وتعريفه إيانا في قوله ص أنت كما أثنيت على نفسك أي كل ما أثنيت به على من خلقته على صورتك هو ثناؤك عليك ولما كان الإنسان الكامل صراط العزيز الحميد لم يكن للصراط أن يسلك فيه ولا يتصف الصراط بالسلوك فلهذا سماه بالعزيز أي ذلك ممنوع لنفسه فالحق سبحانه يختص بالنزول فيه كما أخبر عن نفسه من النزول والهرولة والعبد العارف على الحقيقة ما يسلك إلا في الله فالله صراطه وذلك شرعه به رباطي وبنا رباطه * فهو صراطي وأنا صراطه فانظر مقالي فهو قول صادق * محكم محقق مناطه فهو حبيبي وأنا به فقد * حواه قلبي فإنا فسطاطه عز فما تدركه أبصارنا * لقربه فقد طوى بساطه فبعده لقربه ليس سوى * هذا وما قد قلته استنباطه فهو على صراط عزيز لأنه الخالق فلا قدم لمخلوق فيه أروني ماذا خلق الذين من دونه لا يجدونه أصلا لا علما ولا عينا بل الظالمون في ضلال مبين لأنه كل ما علم فقد بان والله تعالى أخرجنا من ظلمة العدم إلى نور الوجود فكنا نورا بإذن ربنا إلى صراط العزيز الحميد فنقلنا من النور إلى ظلمة الحيرة ولهذا إذا سمعناه يثني على نفسه فنرى ذلك في نفوسنا وإذا أثنى علينا فنرى ما أثنى به علينا هو ثناؤه على نفسه ثم ميزنا عنه وميز نفسه عنا بليس كمثله شئ وبما علم وجهلناه وبما نحن عليه من الذلة ويتعالى عن هذا الوصف في نفسه فنقول نحن هو ما نحن هو بعد ما قلنا إذ أخرجنا من الظلمات إلى النور هو هو ونحن نحن فتميزنا فلما جاء بالثناء بعد وجودنا ثناء منه على نفسه وعلينا وكلفنا بالثناء عليه أوقفنا في الحيرة فإن أثنينا عليه بنا فقد قيدناه وإن أطلقناه كما قال لا أحصي ثناء عليك فقد قيدناه بالإطلاق فميزناه ومن تقيد فلا يوصف بالغنى فإن التقييد يربطه إذ قد أدرك المحدث إطلاقه تعالى وقد قال عن نفسه إنه غني عن العالمين فحيرنا فلا ندري ما هو ولا ما نحن فما أظن والله أعلم أنه أمرنا بمعرفته وأحالنا على نفوسنا في تحصيلها إلا لعلمه أنا لا ندرك ولا نعلم حقيقة نفوسنا ونعجز عن معرفتنا بنا فنعلم أنا به أعجز فيكون ذلك معرفة به لا معرفة وغير هذا فلا يكون فإنه ظاهر مبين فاصغ إلى قولنا تجده علما وقد جاءك اليقين فالجهل صفة ذاتية للعبد والعالم كله عبد والعلم صفة ذاتية لله فخذ مجموع ما أشرت إليه في هذا تجده الصراط العزيز وأما صراط ربك فقد أشار إليه تعالى بقوله فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء يقول كأنما يخرج عن طبعه والشئ لا يخرج عن حقيقته كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وهذا فأشار إلى ما تقدم ذكره صراط ربك مستقيما وما ذكر إلا إرادته للشرح والضيق فلا بد منهما في العالم لأنه ما يكون إلا ما يريد وقد وجد ثم وصف نفسه يعني بالغضب والرضاء والتردد والكراهة ثم أوجب فقال ومع الكراهة فلا بد له من لقائي فهذا عين قوله كأنما يصعد في السماء فهو كالجبر في الاختيار فمن ارتفع عنه أحد الوصفين من عباد الله فليس بكامل أصلا ولذا قال في حق الكامل ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فاصبر
(٤١٢)