فحكمنا عليه بهذا النعت وقلنا في المسمى سواه إنه فقير إلى الله فحكمنا عليه فالكل محكوم عليه كما حكمنا على كل شئ بالهلاك وحكمنا على وجهه بالاستثناء من حكم الهلاك فهو أول محكوم عليه من عين هويته فمما حكم به على هويته أن وصف نفسه بأن له نفسا بفتح الفاء وأضافه إلى الاسم الرحمن لنعلم إذا ظهرت أعياننا وبلغتنا سفراؤه هذا الأمر شمول الرحمة وعمومها ومال الناس والخلق كله إليها فإن الرحمن لا يظهر عنه إلا المرحوم فافهم فالنفس أول غيب ظهر لنفسه فكان فيه الحق من اسمه الرب مثل العرش اليوم الذي استوى عليه بالاسم الرحمن وهو أول كثيف شفاف نوري ظهر فلما تميز عمن ظهر عنه وليس غيره وجعله تعالى ظرفا له لأنه لا يكون ظرفا له إلا عينه فظهر حكم الخلاء بظهور هذا النفس ولولا ذلك ما قلنا خلاء ثم أوجد في هذا العماء جميع صور العالم الذي قال فيه إنه هالك يعني من حيث صوره إلا وجهه يعني إلا من حقيقته فإنه غير هالك فالهاء في وجهه تعود على الشئ فكل شئ من صور العالم هالك إلا من حقائقه فليس بهالك ولا يتمكن أن يهلك ومثال ذلك للتقريب أن صورة الإنسان إذا هلكت ولم يبق لها في الوجود أثر لم تهلك حقيقته التي يميزها الحد وهي عين الحد له فنقول الإنسان حيوان ناطق ولا نتعرض لكونه موجودا أو معدوما فإن هذه الحقيقة لا تزال له وإن لم تكن له صورة في الوجود فإن المعلوم لا يزول من العلم فالعلم ظرف المعلومات فصورة العالم بجملته صورة دائرة فلكية ثم اختلفت فيها صور الأشكال من تربيع وتثليث وتسديس إلى ما لا يتناهى حكما لا وجودا والملائكة الحافون من حول العرش ما لهم سباحة إلا في هذا العماء المستدير الذي ظهر فيه أيضا عين العرش على التربيع بقوائمه وحملته من صور المعاني وصور أجسامها التي هي الحروف الدالة عليها فإن المعنى لا يستدل عليه إلا من حكم صورته وهو الحرف والحرف لا يعلم إلا من حيث معناه فهو العالم العلم المعلوم فما في الوجود إلا الواحد الكثير وفيه ظهرت الملائكة المهيمة والعقل والنفس والطبيعية والطبيعة هي أحق نسبة بالحق مما سواها فإن كل ما سواها ما ظهر إلا فيما ظهر منها وهو النفس بفتح الفاء وهو الساري في العالم أعني في صور العالم وبهذا الحكم يكون تجلى الحق في الصور التي ذكرها عن نفسه لمن عقل عنه ما أخبر به عن نفسه تعالى فانظر في عموم حكم الطبيعية وانظر في قصور حكم العقل لأنه في الحقيقة صورة من صور الطبيعة بل من صور العماء والعماء هو من صور الطبيعة وإنما جعل من جعل رتبة الطبيعة دون النفس وفوق الهيولى لعدم شهوده الأشياء وإن كان صاحب شهود ومشى هذه المقالة فإنه يعني بها الطبيعة التي ظهرت بحكمها في الأجسام الشفافة من العرش فما حواه فهي بالنسبة إلى الطبيعة نسبة البنت إلى المرأة التي هي الأم فتلد كما تلد أمها وإن كانت البنت مولودة عنها فلها ولادة على كل من يولد عنها وكذلك العناصر عندنا القريبة إلينا هي طبيعة ما تولد عنها وكذلك الأخلاط في جسم الحيوان فلهذا سميناها طبيعة كما نسمي البنت والبنات والأم أنثى ونجمعها إناثا وإنما ذكرنا هذا لما نظهره من الأشكال لضرب الأمثال للتقريب على الأفهام القاصرة عن إدراك المعاني من غير مثل فإن الله ما جعل معرفة الإنسان نفسه إلا ضرب مثال لمعرفة ربه إذ لو لم يعرف نفسه لم يعرف ربه وهذا صورة العماء الذي هو الجسم الحقيقي العام الطبيعي الذي هو صورة من قوة الطبيعية تجلى لما يظهر فيه من الصور وما فوقه رتبة إلا رتبة الربوبية التي طلبت صورة العماء من الاسم الرحمن فتنفس فكان العماء فشبهه لنا الشرع مما ذكر عنه من هذا الاسم فلما فهمنا صورته بالتقريب قال ما فوقه هواء يعلو عليه فما فوقه إلا حق وما تحته هواء يعتمد عليه أي ما تحته شئ ثم ظهرت فيه الأشياء فالعماء أصل الأشياء والصور كلها وهو أول فرع ظهر من أصل فهو نجم لا شجر ثم تفرعت منه أشجار إلى منتهى الأمر والخلق وهو الأرض وذلك بتقدير العزيز العليم فهذا المثل المضروب المشكل الممثل الذي نضربه ونشكله هو العماء وهو الدائرة المحيطة وهو فلك الإشارات والنقط التي في الدائرة مثال أعيان الأرواح المهيمة والنقطة العظمى في هذه النقط العقل والدائرة التي إلى جانب النقطة العظمى التي في داخلها نقطتان هي النفس الكل واللوح المحفوظ وتانك النقطتان فيهما القوتان العلمية والعملية والأربع النقط المجاورات لدائرة النفس رتبة الطبيعة التي هي بنت الطبيعة العظمى والدائرة التي في جوف هذه الدائرة العظمى هي جوهر الهيولى وهو الهباء والشكل المربع فيه هو العرش والدائرة في جوف هذا الشكل المربع هو الكرسي
(٤٢٠)