الكامل وانتقل إلى البرزخ هوت السماء وهو قوله تعالى وانشقت السماء فهي يومئذ واهية أي ساقطة إلى الأرض والسماء جسم شفاف صلب فإذا هوت السماء حلل جسمها حر النار فعادت دخانا أحمر كالدهان السائل مثل شعلة نار كما كانت أول مرة وزال ضوء الشمس فطمست النجوم فلم يبق لها نور إلا أن سباحتها لا تزول في النار لا بل انتثرت فهي على غير النظام الذي كان سيرها في الدنيا فتعطي من الأحكام في أهل النار على قدر ما أوحى فيها الله تعالى لأن الأخرى تجديد نشأة أخرى في الكل لا يعرفها العقل الأول ولا اللوح المحفوظ ولذلك قال ص إنه يحمد الله يوم القيامة في المقام المحمود بمحامد لا يعلمها الآن يعلمه الله إياها في ذلك اليوم بحسب ما يظهر في ذلك من حكم الأسماء الإلهية لا يعلمها أحد اليوم فنشأة الخلق وأحوالهم وما يكون منهم في القيامة والدارين على غير نشأة الدنيا وإن أشبهتها في الصورة ولذلك قال ولقد علمتم النشأة الأولى فلو لا تذكرون أنها كانت على غير مثال كذلك ينشئكم فيما لا تعلمون يوم القيامة فلنذكر في هذا الباب طرفا من هيأة جهنم وهيأة الجنات وما فيها مما لم نذكره في بابهما فيما تقدم ولنجعل ذلك كله في أمثلة ليقرب تصورها على من لا يتصور المعاني من غير ضرب مثل كما ضرب الله للقلوب مثلا بالأودية بقدرها في نزول الماء وكما ضرب المثل لنوره بالمصباح كل ذلك ليقرب إلى الأفهام الضعيفة الأمر وهو قوله خلق الإنسان علمه البيان بما بين له فعلم كيف يبين لغيره فنقول إن الجسم لما ملأ الخلاء كان أول شكل قبله الاستدارة فسمى تلك الاستدارة فلكا وفي تلك الدائرة ظهرت صور العالم كله أدناه وأعلاه ولطيفه وكثيفه وما يتحيز منه وما لا يتحيز فالذي ملأ الخلاء غير متحيز ولا في مكان ولا يقبل المكان ولولا اتصاف الحق بالإحاطة ما توهم العقل انحصار هذا الجسم الكل في الخلاء ولا توهم الخلاء إلا من شهود الجسم المحسوس كما لم يتوهم انحصار الممكنات وإن كانت لا تتناهى في نفس الأمر وما وجد منها هو متناه ويدخل في ذلك العقل الأول وكل ما لا يتحيز ولا يقبل المكان وكان ينبغي أن يقال فيما لا يتحيز أن ذلك غير متناه لأن التناهي لا يعقل إلا في المكان والزمان الموجود وقد وجد ما لا يتحيز فكيف يعقل فيه التناهي وكذلك ما دخل في الوجود من المراتب وإن كانت عدما فإنها متوهمة الوجود فإن المراتب نسب عدمية وهي المكانة تنزل كل شئ موجود أو معدوم بالحكم في رتبته سواء كان واجب الوجود لذاته أو واجب الوجود لغيره أو محال الوجود فللعدم الخالص مرتبة وللوجود المحض مرتبة وللممكن المحض مرتبة كل مرتبة متميزة عن الأخرى فلا بد من الحصر المتوهم والمعقول والمعلومات كلها في علم الله على ما هي عليه فهو يعلم نفسه ويعلم غيره ووجوده لا يتصف بالتناهي وما لم يدخل في الوجود فلا يتصف بالتناهي والأجناس متناهية وهي معلومة بعلمه والعلم محيط بما يتناهى وما لا يتناهى مع حصر العلم له وهنا حارت العقول من حيث أفكارها ثم إن الحق إن حققت الأمر قد أدخل نفسه في الوصف الذي وصف به من الظرفية فوصف نفسه بأنه في العماء وعلى العرش وفي السماء وفي الأرض ووصف نفسه بالقبل وبالمعية وبكل شئ وجعل نفسه عين كل شئ بقوله كل شئ هالك إلا وجهه ثم قال له الحكم وهو ما ظهر في عين الأشياء ثم قال وإليه ترجعون أي مردكم من كونكم أغيارا إلي فيذهب حكم الغير فما في الوجود إلا أنا ونبين ذلك مثلا باسم الإنسان بجملة تفاصيله واتصافه بأحكام متغايرة من حياة وحس وقوى وأعضاء مختلفة في الحركات وكل ما يتعلق بهذا المسمى إنسانا وليست هذه الأعيان التي تظهر فيها هذه الأحكام بأمر غير الإنسان فإلى الإنسان ترجع هذه الأحكام والأحكام في الحق صور العالم كله ما ظهر منه وما يظهر والأحكام منه ولهذا قال له الحكم ثم يرجع الكل إلى أنه عينه فهو الحاكم بكل حكم في كل شئ حكما ذاتيا لا يكون إلا هكذا فسمى نفسه بأسمائه فحكم عليه بها وسمي ما ظهر به من الأحكام الإلهية في أعيان الأشياء ليميز بعضها عن بعض كما ميز جسم الإنسان عن روحه وليس إنسانا إلا بمجموعه كما تسمى خالقا به وبخلقه فلا يقال في روح الإنسان إنها عين الإنسان ولا غيره وكذلك في حقائقه ولوازمه وعوارضه لا يقال في يد الإنسان ولا في شئ من أعضائه أنه عين الإنسان ولا غير الإنسان كذلك أعيان العالم لا يقال إنها عين الحق ولا غير الحق بل الوجود كله حق ولكن من الحق ما يتصف بأنه مخلوق ومنه ما يوصف بأنه غير مخلوق لكنه كل موجود فإنه موصوف بأنه محكوم عليه بكذا فنقول في الله إنه غني عن العالمين
(٤١٩)