وهو الصبور على أذى خلقه وسمي هذا الصراط صراط الرب لاستدعائه المربوب وجعله مستقيما فمن خرج عنه فقد انحرف وخرج عن الاستقامة ولهذا شرع لنا الود في الله والبغض في الله وجعل ذلك من العمل المختص له ليس للعبد فيه حظ إلا ما يعطيه الله من الجزاء عليه وهو أن يعادي الله من عادى أولياءه ويوالي من والاهم فالسالك على صراط الرب هو القائم بالصفتين ولكن بالحق المشروع له لله لا لنفسه فإن الله لا يقوم لأحد من عباده إلا لمن قام له ولهذا قال ولا يخافون لومة لائم وحق الله أحق بالقضاء من حق المخلوق إذا اجتمعا فإنه ليس لمخلوق حق إلا بجعل الله فإذا تعين الحقان في وقت ما بدأ العبد الموفق بقضاء حق الله الذي هو له ثم أخذ في أداء حق المخلوق الذي أوجبه الله وهذا خلاف ما عليه اليوم الفقهاء في الوصية والدين فإن الله تعالى قدم الوصية على الدين والوصية حق الله وقال ص حق الله أحق أن يقضى فمن سامح في حق الله عاد عليه عمله فيسامح في حقه فإن تكلم قيل له كذلك فعلت فأجن ثمرة غرسك وصراط الرب لا يكون إلا مع التكليف فإذا ارتفع التكليف لم يبق لهذا الصراط عين وجودية ولهذا يكون المال إلى الرحمة وأزاله حكم الغضب الإلهي في العاصين وقول هود ع إن ربي على صراط مستقيم يعني فيما شرع مع كونه تعالى آخذا بنواصي عباده إلى ما أراد وقوعه منهم وعقوبته إياهم مع هذا الجبر فاجعل بالك وتأدب واسلك سواء السبيل وأما صراط المنعم وهو صراط الذين أنعم الله عليهم وهو قوله تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى وذكر الأنبياء والرسل ثم قال أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وهذا هو الصراط الجامع لكل نبي ورسول وهو إقامة الدين وأن لا يتفرق فيه وأن يجتمع عليه وهو الذي بوب عليه البخاري باب ما جاء أن الأنبياء دينهم واحد وجاء بالألف واللام في الدين للتعريف لأنه كله من عند الله وإن اختلفت بعض أحكامه فالكل مأمور بإقامته والاجتماع عليه وهو المنهاج الذي اتفقوا عليه وما اختلفوا فيه من الأحكام فهو الشرعة التي جعل الله لكل واحد من الرسل قال تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة فلم تختلف شرائعكم كما لم يختلف منها ما أمرتم بالاجتماع فيه وإقامته فلما كان الاختلاف منه وهو أهل العدل والإحسان وكان في الناس الدعوى في نسبة أفعالهم إليهم واختيارهم فيما اختاروه ولم يسندوا الأمر إلى أهله وإلى من يستحقه نزل الحكم الإلهي على الرسل بكون هذا سيئا وهذا حسنا وهذا طاعة وهذا معصية ونزل الحكم الإلهي على العقول بأن هذا في حق من لا يلائم طبعه ومزاجه أو يوافق غرضه حسن وهذا الذي لا يوافق غرضه ولا يلائم طبعه ومزاجه ليس بحسن ولم يسندوا الأمر إلى عين واحدة فجوزوا بما جوزوا لهذا الأمر فعدل فيما حكم به من الجزاء بالسوء وأحسن بعد الحكم ونفوذه بما آل إليه عباده من الرحمة ورفع الأمور الشاقة عليهم وهي الآلام فعمت رحمته كل شئ وأما الصراط الخاص وهو صراط النبي ص الذي اختص به دون الجماعة وهو القرآن حبل الله المتين وشرعه الجامع وهو قوله وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله يعني هذا الصراط المضاف إليه وذلك أن محمدا ص كان نبيا وآدم بين الماء والطين وهو سيد الناس يوم القيامة بإخباره إيانا بالوحي الذي أوحى به إليه وبعثته العامة إشعارا بأن جميع ما تقدمه من الشرائع بالزمان إنما هو من شرعه فنسخ ببعثته منها ما نسخ وأبقى منها ما أبقى كما نسخ ما قد كان أثبته حكما ومن ذلك كونه أوتي جوامع الكلم والعالم كلمات الله فقد آتاه الله الحكم في كلماته وعم وختم به الرسالة والنبوة كما بدأ به باطنا ختم به ظاهرا فله الأمر النبوي من قبل ومن بعد فورثته الذين لهم الاجتهاد في نصب الأحكام بمنزلة الرسل الذين كانوا قبله بالزمان فمن ورث محمدا ص في جمعيته فكان له من الله تعريف بالحكم وهو مقام أعلى من الاجتهاد وهو أن يعطيه الله بالتعريف الإلهي أن حكم الله الذي جاء به رسول الله ص في هذه المسألة هو كذا فيكون في ذلك الحكم بمنزلة من سمعه من رسول الله ص وإذا جاءه الحديث عن رسول الله ص رجع إلى الله فيه فيعرف صحة الحديث من سقمه سواء كان الحديث عند أهل النقل من الصحيح أو مما تكلم فيه فإذا عرف فقد أخذ حكمه من الأصل وقد أخبر أبو يزيد بهذا المقام أعني الأخذ عن الله عن نفسه أنه ناله فقال فيما روينا عنه يخاطب علماء زمانه أخذتم علمكم ميتا
(٤١٣)