أن كل اسم تسمى به شئ مما يعطيه فائدة إن ذلك اسم الله غير أنه لا يطلقه عليه حكما شرعيا وأدبا إلهيا والاسم الإلهي المغني هو الذي يعطي مقام الغني للعبد بما شاء مما تستغني به نفسه والغني وإن كان بالله فهو محل الفتنة العمياء فإنه يعطي الزهو على عباد الله ويورث الجهل بالعالم وبنفسه كما قال صاحب الجنيد ومن العالم حتى يذكر مع الله هذا وإن كان الذي قال هذا القول صاحب حال وعلم بأن الله ما خاطب عباده إلا بقدر ما جعل فيهم من القبول لمعرفة خطابه فيتنوع خطابه ليتسع الأمر ويعم فما خلق الله العالم على قدم واحدة إلا في شئ واحد وهو الافتقار فالفقر له ذاتي والغني له أمر عرضي ومن لا علم له يغيب عن الأمر الذاتي له بالأمر العارض والعالم المحقق لا يزال الأمر الذاتي من كل شئ ومن نفسه مشهودا له دائما دنيا وآخرة فلا يزال عبدا فقيرا تحت أمر سيده لا يستغني في نفسه عن ربه أبدا ألا ترى أن السجود لله تعالى عام في كل مخلوق إلا هذا النوع الإنساني فإنه لم يعمه السجود لله ومع هذا فقد عمه السجود فإنه لا يخلو أن يكون ساجدا لأن السجود له ذاتي لأنه عبد فقير محتاج يتألم فالحاجة به منوطة قائمة فأما إن يسجد لله وإما أن يسجد لغير الله على إن ذلك السجود له عنده إما لله وإما لمن يقرب إلى الله في زعمه لا بد من هذا التوهم ولهذا رحم الله عباده بما كلفهم وأمرهم به من السجود لآدم وللكعبة ولصخرة بيت المقدس لعلمه بما جعل في عباده إن منهم من يسجد للمخلوقات عن غير أمر الله فأمر من أمر من ملك وإنسان بالسجود للمخلوق وجعل ذلك عبادة يتقرب بها إليه سبحانه ليقل السؤال يوم القيامة عن الساجدين لغير الله عن غير أمر الله فلا يبقى للحق عليهم مطالبة إلا بالأمر فيقول لهم من أمركم بذلك ما يقول لهم لا يجوز السجود لمخلوق فإنه قد شرع ذلك في مخلوق خاص حسا وخيالا كرؤيا يوسف ع الذي رأى الشمس والقمر وأحد عشر كوكبا ساجدين له فكان ذلك أباه وخالته وإخوته فوقع حساما كان إدراكه خيالا والقصة فيه معروفة متلوة قرآنا في صورة كوكبية فلما دخلوا عليه خروا له سجدا فقال يوسف ع لأبيه هذا تأويل أي مال رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا أي حقا في الحس وقد كانت حقا في الخيال في موطن الرؤيا فما ثم إلا حق وما كان الله ليسرمد عذابا على من أتى حقا فإن الله لما قسم الحق إلى ما هو مأمور به ومنهي عنه فأراد الحق أن يفرق بين من أتى المأمور به وبين من أتى المنهي عنه ليتميز الطائع من العاصي فتتميز المراتب فإذا عرف كل أحد قدره وما أتى عمت الرحمة الجميع كل صنف في منزله من حيث إنه ما جاء إلا بحق وإن كان منهيا عنه فإن المفتري صاحب حق خيالي لا حق حسي فإنه لا يفتري المفتري حتى يحضر في خياله الافتراء والمفترى عليه ويقيمه في صورة ما افترى به عليه فإذا تخليه مثل صورة النوم سواء أخبر عنه بحق خيالي لكنه سكت عن التعريف بذلك للسامع فأخذه السامع على أنه حق محسوس فأراد الله الفرقان بين طبقات العالم ومراتبه فلذلك أعقب صاحب هذا النعت بالعقوبة على ذلك أو بالمغفرة بأيهما شاء لأن من هؤلاء العصاة المعاقب والمغفور له كما أنه من الطائعين العالم بالأمر على ما هو عليه في نفسه وهم العاملون على بصيرة أهل الكشف والوجود ومنهم المحجوب عن ذلك مع كونه مطيعا فلم يجعل الله أهل الطاعة على رتبة واحدة فما في الوجود المعنوي والحسي والخيالي إلا حق فإنه موجود عن حق ولا يوجد الحق إلا الحق ولهذا قال ص في دعائه يخاطب ربه تعالى والخير كله في يديك والشر ليس إليك فإنه ضد الخير فما صدر عن الخير إلا الخير والشر إنما هو عدم الخير فالخير وجود كله والشر عدم كله لأنه ظهور ما لا عين له في الحقيقة فهو حكم والأحكام نسب وإنما قلنا ظهور فيه لأن ذلك لغة عربية قال امرؤ القيس لو يشرون مقتلي أي يظهرون ولذلك قال تعالى عن نفسه إنه يعلم السر وهو إخفاء ما له عين وأخفى وهو إظهار ما لا عين له فيتخيل الناس أن ذلك حق والله يعلم أنه ليس له وجود عين في نفس الحكم فيعلم السر وأخفى أي أظهر في الخفاء من السر كما قال ما بعوضة فما فوقها يعني في الصغر وهكذا هذا هو أظهر في الخفاء من السر والشئ الخافي هو الظاهر لغة منقولة قال تعالى في تأييد ما ذكرناه كل شئ هالك إلا وجهه فكل شئ هو موجود نشاهده حسا ونعلمه عقلا فليس بها لك فكل شئ وجهه ووجه الشئ حقيقته فما في الوجود إلا الله فما في الوجود إلا الخير وإن تنوعت الصور فإن رسول الله ص قد أخبرنا أن التجلي الإلهي يتنوع وقد أخبرنا الله تعالى أنه كل يوم في شأن فنكر وما هو إلا اختلاف ما هو فيه فكل ما ظهر فما هو إلا هو ولنفسه ظهر فما يشهده أمر
(٣٧٣)