الناطقة في هذا المركب الحيواني إلا المشي بها على الطريق المستقيم الذي عينه لها الحق فإن أجابت النفس الحيوانية لذلك فهي المركب الذلول المرتاض وإن أبت فهي الدابة الجموح كلما أراد الراكب أن يردها إلى الطريق حرنت عليه وجمحت وأخذت يمينا وشمالا لقوة رأسها وسوء تركيب مزاجها فالنفس الحيوانية ما تقصد المخالفة ولا تأتي المعصية انتهاكا لحرمة الشريعة وإنما تجري بحسب طبعها لأنها غير عالمة بالشرع واتفق أنها على مزاج لا يوافق راكبها على ما يريد منها والنفس الناطقة لا يتمكن لها المخالفة لأنها من عالم العصمة والأرواح الطاهرة فإذا وقع العقاب يوم القيامة فإنما يقع على النفس الحيوانية كما يضرب الراكب دابته إذا جمحت وخرجت عن الطريق الذي يريد صاحبها أن يمشي بها عليه ألا ترى الحدود في الزنا والسرقة والمحاربة والافتراء إنما محلها النفس الحيوانية البدنية وهي التي تحس بألم القتل وقطع اليد وضرب الظهر فقامت الحدود على الجسم وقام الألم بالنفس الحساسة الحيوانية التي يجتمع فيها جميع الحيوان المحس للآلام فلا فرق بين محل العذاب من الإنسان وبين جميع الحيوان في الدنيا والآخرة والنفس الناطقة على شرفها مع عالمها في سعادتها الدائمة ألا ترى إلى النبي ص قد قام لجنازة يهودي فقيل له إنها جنازة يهودي فقال ص أليست نفسا فما علل بغير ذاتها فقام إجلالا لها وتعظيما لشرفها ومكانتها وكيف لا يكون لها الشرف وهي منفوخة من روح الله فهي من العالم الأشرف الملكي الروحاني عالم الطهارة فلا فرق بين النفس الناطقة مع هذه النفس البدنية الحيوانية وبين الراكب على الدابة في الصورة فأما جموح وإما ذلول فقد بان لك أن النفس الناطقة ما عصت وإنما النفس الحيوانية ما ساعدتها على ما طلبت منها وإن النفس الحيوانية ما خوطبت بالتكليف فتتصف بطاعة أو معصية فاتفق إن كانت جموحا اقتضاه طبعها لمزاج خاص فاعلم ذلك وإن لله يعم برحمته الجميع فإن رحمة الله سبقت غضبه لما تجاريا إلى الإنسان واعلم أن الله تعالى لم يزل ناظرا إلى أعيان الأشياء الممكنة في حال عدمها وأن الجود الإلهي لا يزال يمتن عليها بالإيجاد على ما سبق العلم به من تقدم بعضها على بعض في الوجود بالإيجاد ولما كان ما به بقاء عين الجوهر الكل لا يتمكن إلا بقيام بعض الممكنات به مما لا يقوم بنفسه منها لم يزل الحفظ الإلهي يحفظ عليها بقاءها به وهي في ذاتها لا تقبل البقاء إلا زمان وجودها فلا يزال الجود الإلهي يوجد لهذا الجوهر الكل الذي فتح الله فيه صور العالم ما به بقاؤه من الممكنات الشرطية فلا يزال الله خالقا على الدوام حافظا له على الدوام وكذلك سبحانه وتعالى لولا أنه أسرى بسر الحياة في الموجودات ما كانت ناطقة ولولا سريان العلم فيها ما كانت ناطقة بالثناء على الله موجدها ولهذا قال وإن من شئ إلا يسبح بحمده فأتى بلفظ النكرة وما خص شيئا ثابتا من شئ موجود لأنها قبلت شيئية الوجود على الحال التي كانت عليها في شيئية الثبوت وقد أعلمنا الله أنه خاطبها في حال عدمها وإنها امتثلت أمره عند توجه الخطاب فبادرت إلى امتثال ما أمرها به فلو لا أنها منعوتة في حال عدمها بالنعوت التي لها في حال وجودها ما وصفها الحق بما وصفها به من ذلك وهو الصادق المخبر بحقائق الأشياء على ما هي عليه فما ظهرت أعيان الموجودات إلا بالحال التي كانت عليها في حال العدم فما استفادت إلا الوجود من حيث أعيانها ومن حيث ما به بقاؤها فكل ما هي عليه الأعيان القائمة بأنفسها ذاتي لها وإن تغيرت عليها الأعراض بالأمثال والأضداد إلا إن حكمها في حال عدمها ليس حكمها في حال وجودها من حيث أمر ما وذلك لأن حكمها في حال عدمها ذاتي لها ليس للحق فيها حكم ولو كان لم يكن لها العدم صفة ذاتية فلا تزال الممكنات في حال عدمها ناظرة إلى الحق بما هي عليه من الأحوال لا يتبدل عليها حال حتى تتصف بالوجود فتتغير عليها الأحوال للعدم الذي يسرع إلى ما به بقاء العين وليست كذلك في حال العدم فإنه لا يتغير عليها شئ في حال العدم بل الأمر الذي هي عليه في نفسها ثابت إذ لو زال لم تزل إلا إلى الوجود ولا يزول إلى الوجود إلا إذا اتصف العين القائم به هذا الممكن الخاص بالوجود فالأمر بين وجود وعدم في أعيان ثابتة على أحوال خاصة فإذا حققت هذا الذي أبرزناه إليك علمت الخلق والخالق وما ينبغي للخلق أن تكون عليه من الحكم وما ينبغي للخالق أن يوصف به فإنه ليس كمثله شئ وكل يوم هو في شأن فلا يشبهه شئ ثابت ولا شئ موجود وما وقفت على ما وقفت عليه من هذا العلم الذي أداني شهوده وحكمه إلى البقاء معه وإلى أن الزهد في الأشياء لا يقع إلا من الجهل القائم بهذا الزاهد وهو عدم العلم ومن الغطاء الحجابي الذي على عينه وهو عدم
(٢٦٣)