والتحقيق: أن حقيقة الوقف الموافقة لمفهومه ليست بمعنى الممنوعية من التصرفات، فإن المنع الذي ينشأ بصيغة الوقف ويتسبب إليه ليس هو المنع المالكي، ولا المنع الشرعي ولا ثالث.
أما عدم كونه منعا مالكيا فلأن منع الغير عن التصرف في العين وإن كان قابلا للانشاء كإنشاء الإباحة، إلا أنه لا يعقل أن يكون موقوفا على القبول، مع أن حقيقة الوقف مما لا شبهة في قابليتها للقبول، بل المعروف أنها موقوفة عليه خصوصا في الوقف الخاص، مع أن المنع المالكي لا يتصور إلا في ظرف بقاء العين على ملك المانع، وإلا فلا معنى لمنعه عما لا مساس له به.
والحال أن خروج العين عن ملك الواقف مما لا كلام فيه، وأما منع نفسه عن التصرفات فلا معنى له إلا بالالتزام بعد تصرفه في العين، فما المانع عن تصرف الغير، إذ نفوذ الوقف لا يقتضي إلا تحقق ما أنشأه الواقف شرعا دون غيره.
وأما عدم كونه منعا شرعيا تكليفيا أو وضعيا، فلأن المنع التكليفي - وإن كان مجعولا شرعا - لكنه ليس من الاعتبارات التي يتسبب إليها بأسبابها، بل تنبعث من مبادئه في نفس المولى، والمنع الوضعي ليس إلا عدم إنفاذ السبب، والنفوذ وعدمه ليسا بمجعولين شرعا، بل ينتزعان من ترتب اعتبار الشارع للملكية أو للزوجية على أسبابه الداعية إلى اعتباره وعدمه، فلا معنى للتسبب إلى إيجاد المنع الشرعي بسبب معاملي عقدي أو إيقاعي، فتدبر جيدا.
وأما بمعنى قصر العين على شخص أو جهة بمعنى عدم تعديها عنهما، فمن البين أن العين بما هي لا إضافة لها إلى شخص أو جهة إلا بلحاظ الاختصاص الملكي أو مطلق الاختصاص، فالمراد قصرها على الشخص ملكا أو اختصاصا، فالملك أو الاختصاص مقوم القصر ومعينه، ومرجع قصر العين ملكا مثلا قصر ملكيتها على شخص المساوق لعدم زوالها عنه، لا أن المنشأ والمتسبب إليه نفس اعتبار الملكية، فإنه غير مناسب لمفهوم الوقف.
ونظيره ما ذكرناه مرارا في مفهوم البيع والإجارة والصلح، فإن حقيقة البيع ليست