وأما موافقة القول بالكراهة للأصول: ففيه أن كل واحدة من الحرمة والكراهة مخالفة للأصل، وعدم الحرمة وإن كان موافقا إلا أن لازمه ليس خصوص الكراهة، واثبات أحد الضدين بنفي الآخر غير صحيح.
وربما يقال: بحملها على التقية لإطباق العامة على الحرمة، ويستشهد لذلك باسناد النهي عنه - في خبر منهال بأحد طرقه (1) وفي خبر عروة (2) - إلى النبي (صلى الله عليه وآله) كما هو عادتهم (عليهم السلام) في أمثال المقام، وهو الباعث لذهاب الأصحاب إلى عدم الحرمة، وإلا فظهور النهي في التحريم مسلم عندهم، إلا أنه على ذلك لا يصح الاستناد في الحكم بالكراهة إلى الأخبار.
ثم اعلم هل المكروه هو التلقي بقصد الشراء منهم، أو الشراء منهم عن التلقي، أو هما معا مكروهان؟ بحيث لو تلقاهم بهذا القصد ولم يصدر منه معاملة وقع منه أحد المكروهين على الأول والثالث، ولم يقع منه مكروه أصلا على الثاني، لا تصريح بذلك ممن وقفت على كلامه هنا، وإن كانت تفريعاتهم مختلفة، والظاهر أن المراد من تلقي الركبان تلقيهم بتجارة وشراء منهم، كما في خبر عروة (فلا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من المصر) (3) وفي خبر منهال (أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن تلقي الغنم) (4) أي تلقي شرائه، فالمكروه هي المعاملة عن التلقي، دون نفس التلقي أو هما معا، وهو ظاهر كاشف الغطاء (قدس سره)، حيث حكي (5) عنه فساد المعاملة على القول بالتحريم، فإنه مبني على تعلق الحرمة بالبيع الخاص، ومقتضاه الفساد.
وهو وإن كان مدفوعا بأن الحرمة المولوية لا توجب الفساد، والنهي لم يتعلق به كما تعلق ببيع الخمر والخنزير بما هو كذلك، بل بعنوان آخر منطبق على البيع، إلا أن الظاهر منه أن موضوع الحرام أو المكروه نفس البيع، كما أن من يقول بأنه إذا قصد