وقوله (عليه السلام) (لا تأكل من لحم ما تلقي) (1) فإنه لا موجب لحرمة الأكل إلا فساد المعاملة، مع أن المعاملة صحيحة على المشهور سواء كان التلقي حراما أو مكروها، بخلاف ما إذا حملنا النهي عن الأكل على الكراهة حسما لمادة التلقي، وحينئذ فالنواهي الواقعة في سياقه يكون لها ظهور ثانوي في الكراهة.
ويمكن أن يقال: أما أولا: فبأن الحرمة كما يمكن أن تكون منبعثة عن فساد المعاملة باعتبار أن أكل مال الغير بلا سبب شرعي حرام، كذلك يمكن أن تكون منبعثة عن مصلحة في نفس ترك الأكل، وهو حسم مادة التلقي المحرم كما قيل به في طرف الكراهة، والظاهر أن أكل ما تلقي من حيث إنه أكل ما تلقي حرام، لا من حيث إنه مال الغير.
وثانيا: أن التحفظ على ظهور (لا تلق) في التحريم مع القرينة الخارجية الدالة على عدم فساد المعاملة وعدم حرمة الأكل يقتضي حمل النواهي الواقعة في سياق واحد على الجامع، وهو مطلق المرجوحية، فلا ينافي كون مورد بعضها حراما للنهي الآخر الظاهر في التحريم، وكون مورد بعضها مكروها للاتفاق على عدم فساد المعاملة وعدم الحرمة، فتدبر.
وثالثا: كما لا قول بحرمة الأكل كذلك لا قول بكراهته، فتسقط هذه الفقرة رأسا عن الاعتبار، فلا تصلح لقرينية صرف ما وقع في سياقه عن الظهور في الحرمة إلى الكراهة، فتدبر.
وأما مخالفتها لعمل المشهور: فإن أريد المخالفة بواسطة الاشتمال على حرمة الأكل فقد عرفت أنه لا يوجب طرحها ولا حملها على الكراهة، وإن أريد مخالفتها لما عليه المشهور من الكراهة دون الحرمة فمن الواضح أنها تضر بها إذا كان عدم ذهابهم إلى الحرمة بملاحظة خلل في سندها، فإنه يوهنها ولو مع صحتها في نفسها، وأما إذا كان من أجل الجمع بينهما بحمل الظاهر في الحرمة على الكراهة بملاحظة ما يتعين حمله على الكراهة فقد عرفت ما فيه، وهو غير ضائر بسندها لو كان تاما في نفسه.