انسانيته لم تكتمل بعد، أو على الأقل: ان وعيه الانساني يحتاج إلى تعميق وتركيز. كما أن العاطفة التي تعتبر الوقود الذي يفجر طاقات الانسان في هذا السبيل، تحتاج إلى شحن وإثارة من جديد.
فلا عجب اذن، أن يستأذن بعض المسلمين في قتل آبائهم المنحرفين، الذين يحاربون دين الله تعالى، وانما العجب من أن لا يفعلوا ذلك، لانهم حينئذ يكونون قد خالفوا مقتضى فطرتهم، وما يحكم به عقلهم السليم. هذا الحكم الذي أيده وأكده الاسلام، دين الفطرة، حين قال في القرآن الكريم:
﴿قل: إن كان آباؤكم وأبناؤكم، واخوانكم، وأزواجكم، وعشيرتكم، وأموال اقترفتموها، وتجارة تخشون كسادها، ومساكن ترضونها، أحب إليكم من الله ورسوله، وجهاد في سبيله، فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين﴾ (1).
2 - وأما سر أن النبي (ص) لم يأذن لهم بقتل أبائهم، فقد قدمنا بعض ما يفيد في ذلك حين الكلام عن وحشي، قاتل حمزة، حيث أخبروه: أن محمدا لا يقتل أصحابه.
ونزيد هنا: أن نفس قتل الولد لوالده ليس أمرا طبيعيا، ولا ينسجم مع مشاعر ونفسية الانسان العادي، الذي لم يترب تربية الهية، ولم ينصهر في حب الله تعالى. نعم، إذا أخلص ذلك الانسان لله، وانقطعت كل علائقه المادية الأرضية، فإنه حينئذ يرى ذلك أمرا ضروريا، وينساق إليه بعقله، وبفطرته، وبعاطفته أيضا. وقليل ما هم.
ولربما يثور الانسان العادي عاطفيا، إذا رأى من قريبه وحبيبه موقفا سيئا، يتنافى مع الفطرة والدين والعقل، ولكن سرعان ما تشده العوامل