منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٣ - الصفحة ٥٠٤
المتباينين في عدم جواز الرجوع إلى العام في إحراز الحكم، بل المرجع فيه الأصول العملية.
لكنك خبير باندفاع كلا التوهمين: أما الأول، فبأن دليل العام يشمل كل فرد من أفراد الموضوع، وإطلاقه الأحوالي يعم كل زمان و زماني يمكن أن يكون قيدا له، فمثل (أكرم العلماء) يشمل كل فرد من أفراد العلماء، ويدفع احتمال كل ما يصلح لان يكون قيدا له، ولا نرفع اليد عن هذا الاطلاق الأحوالي الا بالمقدار الذي علم بشمول دليل الخاص له، إذ ليس دليل المخصص بمفهومه مقيدا لدليل العام حتى يسري إجماله إليه، ويصير المراد من العام مجملا، بل المقيد بمفهومه الحاكي عن الحقيقة يقيد الاطلاق.
فالنتيجة: أن الاطلاق محكم في غير ما علم تقيد المراد الواقعي بالنسبة إليه، ففي مثل (لا تكرم فساق العلماء) إذا أجمل مفهوم الفاسق لا نرفع اليد عن العلماء الا بالنسبة إلى فاعل الكبيرة، فمرتكب الصغيرة داخل في العام، فيجب إكرامه. ولا يقدح إجمال مفهوم الفاسق في الاخذ بإطلاق العام لحالاته وطوارئه التي يصح تقييده بها، فتأمل جيدا.
وأما الثاني، فلوضوح الفرق بين المتباينين والأقل والأكثر، حيث إن الشك في التخصيص بالأكثر شك في التخصيص الزائد على ما علم تخصيصه به، ولا إشكال حينئذ في الرجوع إلى أصالة العموم، ومعه لا تصل النوبة إلى الأصول العملية. وهذا بخلاف المخصص المردد مفهومه بين المتباينين، فان العلم الاجمالي بتخصيص العام بأحدهما مانع عن الرجوع إلى أصالة العموم، وهذا المانع مفقود في الأقل و الأكثر.