والتحقيق أن يقال: إن الوجه في إثبات الاتحاد هو استحالة تعلق تكليفين بالمطلق والمقيد، سواء كان التكليفان مثلين أو غيرهما، لأن المطلق لا يغاير المقيد أصلا، بل المقيد إنما هو نفس المطلق، ومن المعلوم استحالة تعلق إرادتين بشئ واحد، كما يستحيل أن يكون الأمر الواحد متعلقا لحبين أو بغضين، ومن هنا اخترنا خروج المطلق والمقيد عن النزاع في مسألة الاجتماع، وبذلك يبطل احتمال التعدد والاختلاف بالإطلاق والتقييد أو احتمال كون المقيد واجبا في واجب.
وأما حمل الأمر في المقيد على الاستحباب والإرشاد إلى أفضلية بعض الأفراد فهو وإن كان من وجوه الجمع ويرتفع به التنافي، إلا أنه خلاف الجمع المرتكز في أذهان العرف، فإنهم بمجرد ورود المطلق والمقيد كذلك يحملون الأول على الثاني من دون توجه إلى إمكان الجمع بنحو آخر.
ومن هنا يظهر أن جعل المقيد قرينة على كون المراد من المطلق هو ما عدا المقيد خلاف الجمع العرفي وإن كان حمل الأمر على التأسيس أولى من حمله على التأكيد، إلا أن ذلك فيما لم يكن بناء العرف على خلافه.
هذا إذا كان المتوافقان مثبتين.
الصورة الثالثة: إذا كانا منفيين، كقوله: لا تعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة، فلا وجه لحمل المطلق على المقيد، لعدم التنافي، لا نقول بتعدد التكليف، فإن استحالة تعلقه بالمطلق والمقيد لا فرق فيها بين أن يكون التكليفان مثبتين أو منفيين، كما هو واضح، بل المقصود أنه لا وجه لحمل الأول على الثاني، وجعل متعلق النهي هو خصوص المقيد، بل المحرم أو المكروه هو نفس المطلق، فتدبر.
هذا كله فيما إذا لم يذكر السبب لا في المطلق ولا في المقيد.