جريان مقدمات الحكمة منتجا لما يفيده العموم، بل المراد به هو كون نفس الطبيعة المذكورة في الكلام مما يتقوم به تمام المصلحة، ولم يكن لبعض القيودات مدخلية في ذلك، وحينئذ فلو كان المتكلم في مقام بيان تمام ماله دخل في موضوع حكمه - كما هو المفروض في المقدمة الأولى - ومع ذلك لم يذكر إلا نفس الطبيعة - كما هو المفروض في المقام - فإثبات الإطلاق وصحة الاحتجاج به عليه لا يحتاج إلى أمر آخر، لأنه لو كان مراده هو المقدار المتيقن، لكان عليه تقييد الطبيعة لإخراج ما عداه، وليس الأمر دائرا بين الأقل والأكثر بمعنى أن يكون تعلق الحكم بالمقدار المتيقن معلوما وبما عداه مشكوكا، ضرورة أن الحكم في باب الإطلاق والتقييد لا يكون متعلقا بالأفراد والوجودات، بل إنما كان هنا حكم واحد مردد بين تعلقه بنفس الطبيعة أو بها مقيدة، وتعلق الحكم بالمقيد ليس معلوما، وثبوت القدر المتيقن لا يوجب ذلك.
وكيف كان فالقدر المتيقن في مقام التخاطب الراجع إلى كون بعض الأفراد أو الحالات مما كان عند المخاطب معلوم الحكم بمجرد إلقاء الخطاب، لابعد التأمل مما لا يضر بالإطلاق بعد كون الأفراد والحالات أجنبية عن تعلق الحكم بها في باب الإطلاق، كما لا يخفى.
هذا كله بناء على ما اخترناه في معنى الإطلاق.
وأما بناء على مذاق القوم من جعله بمعنى الشياع والسريان، فقد ذكر في الكفاية أن مع ثبوته لا إخلال بالغرض لو كان المتيقن تمام مراده، فإن الفرض أنه بصدد بيان تمامه وقد بينه، لا بصدد بيان أنه تمامه كي أخل ببيانه فافهم (1).