الأمر أنه ادعى المتكلم تطبيقه على ما ليس مصداقا له في الواقع في المجاز.
والسر في ذلك: أنه لو لم يكن هذا الادعاء في البين بل كان المجاز عبارة عن مجرد استعمال اللفظ الموضوع للأسد مثلا في زيد من دون ادعاء أنه من أفراد الأسد حقيقة، لم يكن للاستعمال المجازي حسن أصلا، فأي حسن في مجرد تغيير اللفظ وتبديله بلفظ آخر؟ كما هو واضح لا يخفى.
وهذا لا فرق فيه بين المجاز المرسل والاستعارة، فإن استعمال كلمة " القرية " في أهلها في قوله تعالى: * (واسئل القرية) * (1) لا يكون محسنا إلا إذا كان المقصود كون القرية كأهلها شاهدة على المطلب وعالمة بها بحيث صار من شدة الوضوح معلوما عند نفس القرية أيضا، والتأمل في جميع الاستعمالات المجازية يرشدنا إلى هذا المعنى.
إذا عرفت معنى المجاز، يظهر لك أن تخصيص العام في أكثر العمومات المتداولة الشائعة لا يستلزم المجازية في العام أصلا، إذ ليس المقصود فيها ادعاء كون ما عدا مورد المخصص هو نفس العام بحيث كأنه لم يكن المخصص من أفراد العام أصلا، فإن قوله تعالى: * (أوفوا بالعقود) * (2) لا يتضمن ادعاء أن العقود الفاسدة - كالربا ونظائره - لا تكون عقدا حقيقة، بل العقد إنما ينحصر في العقود النافذة الماضية في الشريعة، فباب العموم والخصوص ليس له كثير ربط بالمجاز بالمعنى المتقدم.
نعم يبقى الكلام في الجمع بين العموم الظاهر في شمول الحكم لجميع