أما الكلام في الجهة الأولى فنقول: لا إشكال في ثبوت المضادة والمنافرة بين مناطي الوجوب والتحريم كثبوت المضادة بين أنفسهما، بل الأول أولى، لإمكان المناقشة في التضاد بين الأحكام، كما سيجئ إن شاء الله تعالى.
ومن الواضح أن مناط الحكم وملاكه إنما يقوم بالموجود الخارجي، ضرورة أن شرب الخمر المتحقق في الواقع يكون ذا مفسدة لا عنوان شرب الخمر، وحينئذ فيسأل عن القائل بالامتناع - المستند في ذلك إلى ثبوت التضاد بين الأحكام وأن متعلق التكاليف هو فعل المكلف وما هو في الخارج يصدر عنه وأن تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون وأن الموجود بوجود واحد له ماهية واحدة - عن أنه هل حامل المصلحة والمفسدة في الوجود الخارجي هي الحيثية الواقعية الواحدة أو الحيثيتين؟ فإن قال بالأول، فيرده وضوح التضاد بين المناطين، وإن قال بالثاني - كما أنه لابد من ذلك - فيرد عليه سؤال الفرق بين المناط وبين نفس الحكم، فإذا جاز قيام المصلحة بحيثية وقيام المفسدة بحيثية أخرى، فلم لا يجوز كون الأمر متعلقا بالحيثية الأولى والنهي بالحيثية الثانية.
وبالجملة، فلا يجتمع القول بالامتناع نظرا إلى أنه تكليف محال مع القول بكون المجمع مشتملا على كلا المناطين، فبعدما كان المفروض هو القول بالامتناع وتقديم جانب النهي لايبقى مجال للقول بالصحة أصلا ولو قلنا بكفاية الملاك في صحة العبادة وعدم احتياجها إلى تعلق الأمر بها، ضرورة أنه بناء على ما ذكرنا لا يكون المجمع إلا مشتملا على مناط التحريم فقط.
وأما الكلام في الجهة الثانية، فنقول: لو سلم كون المجمع واجدا للمناطين بناء على القول بالامتناع، فهل يكفي مناط الوجوب في صحة العبادة بعد فرض سقوط مناط التحريم عن التأثير؟ وبعد فرض كفاية المناط في صحة العبادة وعدم الافتقار إلى تعلق الأمر بها أم لا؟ قد يقال - كما في تقريرات المحقق