الجد لا بدواعي اخر في المطلق، وظهور الامر بالمقيد في الوجوب التعييني، فإنه كما عرفت في مبحث العام والخاص، ان للكلام الصادر من المتكلم أصلين مترتبين أحدهما:
أصالة الظهور المعينة ان الظاهر هو المراد الاستعمالي عند الشك واحتمال إرادة غيره، ثانيتهما: أصالة صدور الظاهر بداعي الجد لا بدواعي اخر - وبعبارة أخرى - أصالة تطابق المراد الجدي مع المراد الاستعمالي، فطرف المعارضة في طرف المطلق الأصل الثاني لا الأول، وعليه، فحيث ان مدرك ذلك الأصل هو بناء العقلاء، وهو انما يكون مع عدم ورود دليل من الشارع الأقدس على خلافه، ودليل المقيد يصلح لذلك، فيتعين التصرف في المطلق بالمعنى الذي عرفت، وابقاء الامر بالمقيد على ظاهره فتدبر في أطراف ما ذكرناه، فإنه حق القول في المقام ولا أظن بقاء الترديد لاحد في حمل المطلق على المقيد بعد التدبر فيما ذكرناه. هذا كله في المتوافقين، وبه يظهر الحال في المتخالفين، مثل (أعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة) بل حمل المطلق على المقيد فيهما أظهر كما لا يخفى.
بقى في المقام أمور لا بد من التنبيه عليها.
أحدها: انه إذا كان الحكم متعلقا بجميع الوجودات لا صرف الوجود كما في أحل الله البيع، فان كان دليل المقيد مخالفا له في الايجاب والسلب، كما ورد من النهى عن بيع الخمر والخنزير والبيع الربوي وما شاكل، لا كلام ولا اشكال في حمل المطلق على المقيد، لما مر من أن النهى عن حصة خاصة من مركب اعتباري جعله المولى متعلقا لحكمه التكليفي أو الوضعي ظاهر في الارشاد إلى المانعية، فيدل دليل المقيد على مانعية ما تضمنه عن صحة البيع مثلا، وان كان موافقا له كما إذا ورد في أحد الدليلين انه في الغنم السائمة زكاة، وورد في الاخر انه في الغنم زكاة، فان لم يكن لدليل المقيد مفهوم لا موجب لحمل المطلق على المقيد لما عرفت من توقف الحمل على وحدة التكليف المستكشفة من تعلقه بصرف الوجود، والمفروض في المقام تعلق التكليف بجميع الوجودات، دون صرف الوجود فلا وجه للحمل وان كان لدليل المقيد مفهوم، فحيث ان مفهومه نفى الحكم عن غير مورد الخاص، فلا محالة يوجب ذلك تقييد المطلق.
ثانيها: ان المشهور بين الأصحاب عدم حمل المطلق على المقيد في باب