كونه في مقام بيان المراد الاستعمالي، لا بيان المراد الجدي، - وبعبارة أخرى - يكون المراد منه كون الملقى للكلام نحو ينعقد لكلامه ظهور في الاطلاق، ولا يكون من قبيل قول الطبيب للمريض اشرب الدواء، ويكون حجة على المخاطب على سبيل القانون والقاعدة.
توضيح ذلك أنه قد بينا سابقا ان مراتب الدلالة ثلاث، الأولى: الدلالة التصورية.
الثانية: الدلالة التفهيمية، ويعبر عنها بالدلالة التصديقية فيما قال، والمراد بها انعقاد الظهور فيما قاله المتكلم، وهذه الدلالة تتوقف على عدم وجود القرينة المتصلة، ولا يضربها وجود القرينة المنفصلة، وهي الدلالة اللفظية. الثالثة: الدلالة التصديقية الكاشفة عن مطابقة المراد الجدي للمراد الاستعمالي، ولا ربط للفظ بذلك، بل مدركها سيرة العقلاء في المحاورات، وهذه الدلالة تتوقف على عدم وجود القرينة ولو منفصلا، وعلى ذلك فالقرينة المنفصلة كاشفة عن تقييد المراد الجدي، ولا ينثلم بها ظهور المطلق في الاطلاق.
ويترتب على ذلك أن تقييد المطلق من جهة، لا يوجب سقوط اطلاق الكلام من الجهات الاخر. مثلا، لو فرضنا ان الآية الكريمة (أحل الله البيع) (1) في مقام البيان من جميع الجهات، وورد عليها التقيد بعدم كون البايع صبيا أو مجنونا، وشك في ورود التقييد عليها من جهة أخرى ككون الانشاء باللفظ، وعدم كفاية المعاطاة، فلا مانع من التمسك بالاطلاق والحكم بعدم اعتباره.
الامر الثاني: المشهور بين الأصحاب، ان الأصل فيما شك في كون المتكلم في مقام البيان حمل كلامه عليه، فعدم كونه في هذا المقام، يحتاج إلى دليل.
ولكن الحق تبعا للمحقق النائيني هو التفصيل بين ما لو شك في أن المتكلم كان في مقام التشريع، أو كان في مقام بيان تمام مراده، وبين ما لو شك في ذلك من جهة سعة الإرادة وضيقها، بان علمنا أن لكلامه اطلاقا من جهة، وشك في اطلاقه من جهة أخرى،