بل الوجه فيه ما ذكرناه من الوجهين، ولا فرق فيهما بين المتصل والمنفصل، تعرف ان الأظهر لزوم الفحص عن المخصص المتصل أيضا.
واما المورد الرابع: فقد ذهب المحقق الخراساني والمحقق النائيني (ره) إلى الفرق بين الفحص في المقام والفحص في موارد التمسك بالأصول العملية، حيث إن الفحص هيهنا عما يزاحم الحجية والمانع عنها، مع ثبوت المقتضى لها، والفحص هناك انما هو لتتميم المقتضى لان العام قد انعقد ظهوره في العموم مع عدم الاتيان بالقرينة المتصلة، والفحص انما هو عن وجود قرينة منفصلة، وهي انما تزاحم حجية العام، لا ظهوره، فالفحص انما هو لرفع المانع والمزاحم، واما الفحص هناك فإنما هو لتتميم مقتضى جواز العمل بالأصل، اما بالإضافة إلى البراءة العقلية، فان العقل بدونه يستقل باستحقاق العقاب على المخالفة، فلا يكون العقاب بدونه بلا بيان والمؤاخذة عليها من غير برهان، و اما الأصول الشرعية من البراءة والاستصحاب، فأدلتها وان كانت مطلقة وغير مقيدة بالفحص، الا ان الاجماع بقسميه على تقييده به كما في الكفاية.
وحكم العقل يقيدها بذلك ضرورة ان اطلاقها يستلزم نقض الغرض من بعث الرسل وانزال الكتب، فان لازم الاطلاق هو عدم وجوب النظر في المعجزة، ومع عدم النظر لا تثبت أصل النبوة فضلا عن فروعها، فتجويز ترك النظر في المعجزة تستلزم نقض الغرض الداعي إلى بعث الرسل وانزال الكتب وهو قبيح، وبعين هذا الملاك يجب الفحص عن الأحكام الشرعية عند احتمال تحققها في نفس الامر وامكان وصول العبد إليها بالفحص كما عن المحقق النائيني (ره).
أقول: بناءا على ما ذكره المحقق الخراساني في وجه لزوم الفحص في المقام، لا يكون الفحص هاهنا عما يزاحم مقتضى الحجية، لفرض انه لا بناء من العقلاء على حجية أصالة العموم الا بعد الفحص عن المخصص، فلا مقتضى للحجية قبله، كما هو الشأن في الأصول العملية، فإنه لا مقتضى لجريانها قبل الفحص عن الدليل على الحكم وان شئت فقل انه في كلا البابين يكون الفحص فحصا عن أن العام، أو الأصل حجة، أم يكون شئ آخر حجة.