الثالث: ما افاده المحقق الأصفهاني (ره) قال: ان الظاهر من الانشاء كونه بداعي البعث لا بداعي جعل القانون والقاعدة، فبعد ورود التخصيص، يدور الامر بين مخالفة أحد ظهورين، اما الظهور الاستعمالي برفع اليد عنه مع حفظ ظهوره في كونه بداعي البعث الجدي بالنسبة إلى ما استعمل فيه وهو الخصوص، واما الظهور من حيث الداعي وهو كون الانشاء بداعي البعث برفع اليد عنه، وحمل الانشاء على كونه بداعي ضرب القانون و اعطاء الحجة، ولا مرجح لأحدهما على الاخر.
وفيه: انه إذا ورد كلام له ظهورات، ثم ورد ما ينافيه. لا بد من لحاظ انه مناف لأي ظهور من الظهورات ورفع اليد عن خصوصه، وان ارتفع التنافي برفع اليد عن الظهور الاخر، مثلا إذا ورد (أكرم العلماء). ثم ورد (لا يجب اكرام زيد العالم) فالتنافي وان كان يرتفع بحمل الامر في الدليل الأول على الاستحباب، الا انه لا وجه له: إذ التنافي انما هو بين ظهور الدليل الأول في العموم، وبين الخاص فلا بد من رفع اليد عنه، وابقاء ظهوره في الوجوب، وهذا هو الميزان الكلى في جميع موارد التعارض، وعليه ففي المقام إذا فرضنا ورود اكرام العلماء، ثم ورود (لا تكرم زيدا) فبما ان طرف المعارضة للدليل الثاني، هو ظهور الأول في كون الانشاء بداعي البعث بالإضافة إلى جميع افراد العام فالمتعين هو رفع اليد عنه خاصة، دون ظهوره في إرادة العموم بالإرادة الاستعمالية.
الرابع: ما افاده المحقق الأصفهاني (ره) أيضا وحاصله: ان حجية الدليل انما هي باعتبار كاشفية الانشاء عن كونه بداعي البعث الجدي والانشاء الواحد المتعلق بموضوع متعدد، حيث إنه بداعي البعث الحقيقي، فيكون منشأ لانتزاع البعث حقيقة بالإضافة إلى كل واحد، ولو لم يكن بداعي البعث الحقيقي بالإضافة إلى بعض الافراد مع كونه متعلقا به في مرحلة الانشاء، فاما ان يكون الداعي متعددا، فيلزم صدور الانشاء الواحد عن داعيين بلا جهة جامعة تكون هي الداعي، واما ان يكون هو البعث الحقيقي، فالمفروض عدمه بالإضافة إلى بعض الافراد، فيتعين كون الانشاء لا بداعي البعث الجدي بالإضافة إلى الجميع. وعليه فلا يكون حجة بالنسبة إلى البقية: إذ الحجية انما تكون فيما إذا كان الانشاء بداعي البعث الجدي، لا إذا كان بداع آخر.