من دليل الناسخ رفع غيره كما عرفت، فلا مناص عن الالتزام به.
وفيه أولا: انه لو تم هذا الوجه لزم الحكم ببقاء الرجحان الجامع بين الوجوب والاستحباب، إذ هو الجنس القريب، والجواز جنس بعيد فتأمل فإنه يرده ما سيأتي: وثانيا:
ان ما ذكر من بقاء الجنس والمادة المشتركة بعد انعدام صورة الشئ كالكلب الذي يصير ملحا، يتم في الجواهر التي لها اجزاء خارجية، ولا يتم في الاعراض التي ليس لها إلا أجزاء تحليلية عقلية، فضلا عن مثل الاحكام التي هي بسائط من جميع الجهات، وليس لها اجزاء خارجية ولا عقلية كما لا يخفى.
واستدل للقول الثاني وهو ثبوت الاستحباب بأنه حيث يكون للوجوب مراتب عديدة، وهي: الجواز، والرجحان، والالزام، ورفعه كما يمكن ان يكون برفع الجواز، يمكن ان يكون برفع الرجحان مع بقاء الجواز، ورفع الالزام مع بقاء الرجحان وفى مقام الاثبات لا دليل على رفع مرتبة خاصة منها فلا بد من الاخذ بالمتيقن، وهو رفع الالزام خاصة، وفيما عداه يؤخذ بدليل المنسوخ ويحكم باستحباب الفعل، وان شئت قلت إن المقام نظير ما إذا ورد امر بشئ ورد دليل آخر صريح في عدم الوجوب، فكما انه في ذلك المورد بناء الفقهاء على حمل الظاهر على النص، والجمع بينهما بالحمل على الاستحباب، فكذلك في المقام إذ لا فرق بينهما الا ان في ذلك المورد دليل نفى الوجوب ينفيه من الأول، وفى المقام ينفيه بعد مضى زمان ومجرد ذلك لا يوجب الفرق في هذا الجمع العرفي كما لا يخفى، وعلى ذلك فيتعين البناء على الاستحباب.
وفيه: ان الفرق بين البابين واضح حيث إنه في ذلك الباب انما يجمع بين الدليلين إذا لم يتعرض دليل نفى الوجوب أي الصريح في جواز الترك لحال الطلب، ولا ينفيه، بل انما يرخص في ترك المطلوب، ولذلك يبنى على الاستحباب الذي لا حقيقة له سوى ذلك، أي ينتزع من الامر بشئ مع الترخيص في تركه، واما في المقام فالمفروض ان دليل الناسخ متعرض لحال دليل المنسوخ، ويدل على ارتفاع ما تضمنه ذلك الدليل وهو الطلب، فلا وجه لقياس أحد البابين بالآخر، واما القول بان المتيقن منه رفع خصوص الالزام فالجواب عنه ما تقدم في الجواب عن القول الأول، مضافا إلى أن خصوصية