المباحث السالفة (1)، لكن يمكن أن يدعى أن هذا الارتكاز صار موجبا لانصراف الأدلة إلى ما يكون مرتكزا لديهم.
وبعبارة أخرى: أن الأحكام الصادرة من الشارع قد تكون تعبدية محضة، لا طريق للعقلاء لفهم سرها، ككثير من التعبديات، وقد تكون إرشادا إلى طريقة العقلاء، كأدلة أخبار الثقة أو اليد، وقد تكون معنى متوسطا بينهما، أي لا تكون تعبدية محضة لا يعلم العقلاء سرها أصلا، ولا تكون إرشادية إلى ما لديهم، لعدم الحكم الجزمي بينهم، لكن تكون من التعبديات التي يكون للعقل إليها سبيل، ويكون في ارتكاز العقلاء ما يناسبها، وهذا الارتكاز والمناسبات المعلومة عند العقلاء قد توجب الانصراف إلى ما ارتكز بينهم.
وما نحن فيه من هذا القبيل، فإذا سمع العقلاء قوله: (كل ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو) (2) يصير الأمر الارتكازي موجبا لانصرافه إلى ذلك، ويمنع عن فهم الإطلاق، فيكون كالقرينة الحافة بالكلام أو ما يصلح للقرينية.
هذا مضافا: إلى أن الناظر في الروايات يرى أن السؤال والجواب بين الرواة والأئمة عليهم السلام كانا ممحضين في هذا القسم، ولا يكون الجهل بالحكم أو الموضوع في ذهنهم، فارجع إلى الروايات حتى يتضح صدق ما ذكرنا.
أضف إلى ذلك كله الشواهد الموجودة في الروايات كقوله: (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك) وقوله: (وكان حين إنصرف أقرب إلى الحق) بل وقوله: (قد ركعت أمضه).
وبالجملة: مدعي الانصراف غير مجازف، وعوى الإطلاق بالنسبة إلى جميع الصور في غاية الإشكال.